المستهلك يدفع ثمن فشل الرواية المؤيدة لاقتصاد السوق

المستهلك يدفع ثمن فشل الرواية المؤيدة لاقتصاد السوق

ربما كان من الممكن التنبؤ بأن الضرائب المرتفعة المفروضة على الشركات والأغنياء ستكون أمراً أساسياً في بيان حزب العمال برئاسة جيرمي كوربن. بعد 20 عاماً من مراهنة توني بلير، بنجاح، على إزالة الالتزام بالملكية العامة من دستور حزب العمال، وقيادة حزبه إلى ثلاثة انتصارات متتالية في الانتخابات، يُريد حزب العمال الآن إعادة تأميم السكك الحديدية والمياه.
لكن التراجع عن الليبرالية الاقتصادية التي شهدتها الأعوام من عام 1980 حتى عام 2015 هو الأمر الأكثر وضوحاً في بيان حزب المحافظين. سيتم تقييد أسعار الطاقة، وتيريزا ماي وعدت بتوسيع نطاق حقوق التوظيف، وتنظيم اقتصاد العمل المؤقت، واتخاذ تدابير جديدة لتمثيل العاملين. بعد ما يُقارب 40 عاماً تم فيها حظر العبارة من الخطابات السياسية، عادت "الاستراتيجية الصناعية" إلى الرواج.
هناك عنصر واضح للانتهازية هنا. اندفاع حزب العمال نحو اليسار وانهيار الديمقراطية الليبرالية في عام 2015 ترك منطقة الوسط مفتوحة. لكن التحوّل أيضاً مدفوع من الاعتراف بأن المشروع الليبرالي الجديد فشل في كسب القلوب والعقول. وكيف له ذلك وهو يُعرض على النحو الذي نراه. فمنذ تقديم سقوط جدار برلين دليلا رمزيا على انتصار اقتصاد السوق على الأنظمة الاقتصادية البديلة، والرواية الرائجة تزعم أن الجشع هو الدافع البشري المهيمن، وأن الحوافز المالية تدفع السلوك، وأن القيود المفروضة على حجم الأرباح والسعي للتربح تقف في طريق الازدهار الشامل. لكن باعتباره دليلا على الطريقة التي تعمل بها الرأسمالية فعلاً، ذلك الوصف خاطئ بقدر ما هو مثير للاشمئزاز.
المصلحة الذاتية هي بالطبع دافع بشري، لكنها ليست حصرية. آدم سميث كتب أننا لا نحصل على عشائنا بسبب كرم أخلاق الجزار أو الخباز، وإنما بسبب حبهما لذاتهما. لكن مختص الاقتصاد الاسكتلندي نفسه لاحظ أن أي شخص واقع في قبضة "العواطف المتطرفة" مثل الجشع والتفاخر "ليس بائساً فقط في حالته الفعلية، لكن غالباً ما يميل إلى الإخلال بسلام المجتمع، من أجل الوصول إلى ذلك الوضع الذي يُعجب به بغباء كبير".
الخباز في أيام سميث كان ينهض في وقت مبكر لكسب المال من أجل إطعام عائلته، لكنه أيضاً كان يعرف زبائنه. وإذا كان خبازاً جيداً، كان يفتخر بحرفته. اليوم تسعى الشركة الناجحة بشكل مستدام إلى تحقيق أرباح سليمة، لكنها تسعى أيضاً إلى إرضاء زبائنها وإيجاد بيئة عمل تعاونية ومُحفّزة. إذا كان هدف الشركة هو إيجاد قيمة للمساهمين، فليس هناك جواب للسؤال: "لماذا أريد أن أعمل هناك؟" سوى "أنك ستجني كثيرا من المال". لكن مثل هذه الشركة الذرائعية هي نفسها عُرضة لجشع موظفيها أنفسهم. كانت العواقب واضحة للغاية في القطاع المالي. تضارب المصالح بين الأفراد الذين يشغلون أدوارا بارزة في الشركة والشركة نفسها دمّر مصرفي "بير ستيرنز" و"ليمان براذرز"، وشوّه سمعة معظم المؤسسات المالية الأخرى.
شرعية تنظيم الشركات الحديثة تقوّضت أكثر من قبل بسبب استمرار الكشوفات عن مخالفات الشركات، التي لم تعُد تقتصر على القطاع المالي، وبسبب الكشف عن الممارسات المستميتة للتهرب من الضرائب حتى في الشركات التي تحظى باحترام على نطاق واسع.
خطة ماي لتقييد أسعار الطاقة تستجيب بشكل صحيح للقلق العام على نطاق واسع، لكنها لا تحل المشكلة الأصلية؛ المشكلة الكامنة هي الانتشار السخيف للتعقيد الذي يعني أن أي شخص يتردد في قضاء عدة ساعات في مقارنة تعريفات الطاقة، من المرجح أن يدفع أكثر، وغالباً أكثر بكثير، مما يحتاج إليه.
هناك قضايا مماثلة تتجاوز الطاقة بكثير. كم من الناس يفهمون فاتورة هاتفهم الخلوي، ويُدركون أن تكلفة الطابعة تعتمد على ما ستدفعه مقابل الحبر أكثر بكثير مما تدفعه على الآلة، أو يعرفون مقدار الرسوم التي يدفعونها من أجل الحصول على العائد على استثماراتهم؟ الشركات تستفيد من التعقيد لإجبار الجميع، باستثناء الزبائن الذين لديهم بصيرة جيدة، على دفع مبالغ فوق الحد. القول إن على الناس قضاء مزيد من الوقت في قراءة بنود العقود المطبوعة بخط صغير ليس حلاً. والتدخلات التنظيمية حتى الآن في أسعار الطاقة ربما أدت إلى تفاقم مشكلة التعقيد بدلاً من تخفيفها.
هناك أسباب وجيهة للمخاوف من أن "الاستراتيجية الصناعية" تعني أن المجال مفتوح تماما لجماعات الضغط والعاملين الذين دمّروا الآلات، وأن التدابير التعسفية مثل الحد الأقصى للأسعار ستكون لها فعلاً آثار ضارة في الاستثمار الذي تشتد الحاجة إليه. ليس هناك سبب يذكر للاعتقاد أن جشع وتفاخر كثير من رجال الأعمال الحديثين سيُخفَّف نتيجة الالتزام بالتشاور مع ممثلي العمال. إذا سألنا لماذا كانت التعريفة فيما مضى أكثر بساطة والعقود المفتوحة نادرة، ولماذا بدأ الرؤساء التنفيذيون أخيرا فقط بدفع ملايين الجنيهات كل عام إلى بعضهم بعضا؟ الجواب هو أنه في الأيام الأولى لم تكن الشركات التي تحظى بسمعة جيدة ترى أن من المناسب أن تفعل هذه الأشياء. لذلك، أفضل جواب هو عدم مهاجمة بعض الأعراض الموضعية للإفراط، لكن استعادة الثقافة التي تعترف بأن الشركات هي بالدرجة الأولى منظمات اجتماعية.
الفشل الفكري الكبير في العقدين الماضيين يتمثّل في عدم القدرة على تقديم رواية أكثر دقة لاقتصاد السوق من تلك الواردة في عقيدة "الجشع جيد"، و"كل ما تصطاد" و"قيمة المساهمين هي الهدف". لبعض الوقت في التسعينيات، بدا أن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وتوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني، كانا يُكافحان للحصول على مثل هذا السرد، لكن "الطريقة الثالثة" انهارت في مستنقع من الجشع والسخرية المستحقة. في غياب مثل هذه الرواية الوسيطة لنقاط القوة في اقتصاد السوق، الإنجازات الحقيقية للأعوام الـ 30 الماضية في إزالة العقبات من أمام الإنتاجية والابتكار ستتآكل بشكل ثابت بفعل العواقب غير المُخططة للتدخلات العشوائية.

الأكثر قراءة