المشراق

«القول الأنفع في الردع عن زيارة المدفع».. رسالة علامة لمواجهة الفرس

«القول الأنفع في الردع 
عن زيارة المدفع».. رسالة علامة لمواجهة الفرس

"القول الأنفع في الردع عن زيارة المدفع" رسالة ألفها علامة العراق الشيخ محمود شكري الألوسي (ت1342هـ)، محذراً فيها الناس من إحدى البدع التي انتشرت بينهم. ويعرفنا بهذه الرسالة العلامة محمد بهجة الأثري فيقول: "كان في بغداد آنذاك مدفع أمام الثكنة العسكرية في الميدان مصنوع من نحاس، يُسَمَّى (طوب أبي خزامة)، وقد كتب على ظهره ممّا يلي الفوهة ما نصه: (ممّا عمل برسم السلطان مراد خان بن السلطان أحمد خان)، وعلى مؤخّره أيضاً ما نصّه: (عملي علي كتخد أي جنود بردر كاه عالي عام 1047) أي عمل علي الذي هو رئيس الجنود الذي في باب السلطان، وكانت العامة تعتقد في هذا المدفع اعتقاد أهل الجاهلية الأولى في اللات والعزّى ومناة الثالثة الأخرى، تنذر له النذور وتعلِّق عليه التمائم وتقبّله وتتبرّك به إلى غير ذلك من المنكرات، فحمل ذلك محمود شكري على كتابة هذا الكراسة باحثاً فيها عن تاريخه والمفاسد التي تنجم عنها، وقدّمها إلى المشير هداية باشا ليمنع العوام عن هذه الأعمال المضادة لِمَا جاء به الإسلام، وقد تُرْجِمَت إلى التركية".
ويضيف الدكتور أكرم المشهداني معلومات أخرى فيقول: "والطوب له معنى آخر عند العراقيين، فضلا عن مدفع رمضان، ومجرد ذكره يتبادر إلى أذهانهم الطوب الشهير المسمى «طوب أبو خزامة»، حيث يعد واحداً من الرموز التراثية المهمة التي تحمل ذكريات لا تنسى، إذ كان يحتل هذا الطوب مكاناً بارزاً أمام بناية وزارة الدفاع العراقية القديمة الواقعة في ساحة الميدان في بغداد. فما حكاية هذا المدفع الذي أصبح اليوم تحفة أثرية رمزية تحكي مرحلة تاريخية مهمة من مراحل حياة بغداد وأهلها في عقود خلت؟ تؤكد الوثائق التاريخية والأخبار أن «طوب أبو خزامة» هو مدفع من مدافع السلطان مراد العثماني التي استخدمها في قتال الفرس وطردهم من بغداد، وهو مصنوع من معدني الصِفِر (النحاس) والحديد، ويبلغ طوله 4 أمتار و44 سم، ومحيطه متران و4 سم، وقطر فوهته 48 سم. وعند فوهة المدفع أربع قنابل، ثلاث منها إلى الأسفل والرابعة قائمة عليها.
وتعود شهرة هذا المدفع عن غيره من المدافع كونه كان من مجموعة مدافع أبلت بلاءً حسناً في الحرب، وهذا المدفع خاصة كانت قنابله هي التي أدت إلى فتح ثغرة في أسوار بغداد المنيعة، وبسببها تم دخول العثمانيين بغداد وتحريرها من الغزاة الفرس. وأما تسميته بـ «أبو خزامة» فهي نسبة إلى وجود حلقتين مرتبطتين بالمدفع تم وضعهما لتسهيل حمله. وقد نسجت حول هذا المدفع الأساطير وحيكت الغرائب في أمره في فتح بغداد، كأن ما استشعره البغداديون من ذل الاحتلال الفارسي الذي دام خمس عشرة عاما قد دفعهم إلى هذه الأقاصيص، وكان شأنهم في أول الأمر معه شأن المعجب، ثم استحال الإعجاب مع مرور الأيام إلى تقديسه والتبرك به. ومن تلك القصص أن هذا المدفع صار يلتهم التراب، ويرمي به ناراً على جنود المحتلين الفرس، حتى بلغ الأمر بكبار العامة في بغداد إلى الاعتقاد أن هذا المدفع «طوب أبو خزامة» وليّ من أولياء الله لا يخيب قاصداً قط. لذلك كانوا يزورونه للتبرك به وطلب المراد منه. وكان البعض من هؤلاء ــــ ولا سيما النساء ـــ ينذرن له، ويوقدن حوله الشموع في كل ليلة من ليالي الجمعة، وقد ظلت هذه العادات جارية حتى عهد متأخر، مما اضطر العلامة السيد محمود شكري الألوسي في أواخر العهد العثماني إلى أن يكتب رسالته الموسومة «القول الأنفع في الردع عن زيارة المدفع» يعلن فيها عن شجبه لهذه المظاهر الوثنية التي راجت عند عوام الأهالي في بغداد. وكان حتى السنين التي سبقت 2003 يقوم السياح والوفود الأجنبية بزيارة هذا المدفع، وتوثيق زيارته بصور تذكارية يلتقطونها له وهم بجواره، لما يسمعونه عنه، ونتيجة لمكانته الكبيرة داخل المجتمع العراقي، وما يكنه العراقيون له من حب وتبجيل وتقدير".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق