المشراق

تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب

تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب

تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب

يحظى كتاب "تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب" بشهرة كبيرة رغم صغر حجمه، ولعل سبب شهرته يعود إلى عنوانه المثير وموضوعه الذي ربما لم يسبق إليه. وهو من تأليف العلامة الإخباري أبي بكر محمد بن خلف ابن المرزبان المتوفى عام 309هـ. والكتاب روضة أدبية، وفيه تفريج أدبي لمن تأذى من الناس. وطبع الكتاب عدة مرات منذ عشرات السنين، لعل أولها المنشورة في مجلة "المشرق" عام 1912 تحت عنوان "فضائل الكلاب"، وأجود طبعات الكتاب التي حققها زهير الشاويش، وصدرت سنة 1410هـ، عن المكتب الإسلامي. وتحدث الدكتور عبدالرحمن بن ناصر السعيد عن الكتاب فذكر أنه قد يكون الكتاب الأول من نوعه في التراث الإسلامي. ومؤلفه مشهور بالرواية، وقد اعتمد عليه أبو الفرج الأصفهاني كثيرا في كتابه "الأغاني"، وله مؤلفات أخرى مثل كتاب "ذم الثقلاء" وهو مطبوع. وقد ذكر في مقدمة الكتاب سبب تأليفه فقال "ذكرت - أعزك الله - زماننا هذا، وفساد مودة أهله، وخسة أخلاقهم، ولؤم طباعهم، وأن أبعد الناس سفرًا من كان في سفر طلب أخ صالح، ومَن حاول صاحبا يأمن زلته ويدوم اغتباطه كان كصاحب الطريق الحيران الذي لا يزداد لنفسه إتعابا إلا ازداد من غايته بعدا، فالأمر كما وصفت". والكتاب ليست له أبواب محددة، بل يعتمد على المزج بين الشعر والنثر والقصص، فيذكر قصصا لوفاء الكلاب، وأشعارًا في ذم الناس، وحكما. فمن الأشعار التي أوردها قول الشاعر:

ذهب الذين إذا رأوني مقبلا
سروا وقالوا مرحبًا بالمقبل
وبقي الذين إذا رأوني مقبلا
عبسوا وقالوا ليته لم يقبل

ومن الحكم: ما روي عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - أنه قال "كان الناس ورقًا لا شوك فيه، فصاروا شوكًا لا ورق فيه". ومن القصص الطريفة قصة صاحب إبليس "ولست أشك أنك ـــ أعزك الله ـــ عارف بخبر عبدالله بن هلال الكوفي الحميري المخدوم صاحب الخاتم، وخبره مع جاره، لما سأله أن يكتب كتابا إلى إبليس ـــ لعنه الله ـــ في حاجة له؛ فإن كان العقل يدفع ذلك فهو مثل حسن يعرف في الناس. فكتب إليه الكتاب، وأكده غاية التأكيد، ومضى وأوصل الكتاب إلى إبليس، فقرأه، وقبله، ووضعه على عينيه، وقال: السمع والطاعة لأبي محمد، فما حاجتك؟ قال: لي جار مكرم لي، شديد الميل إليَّ، شفوق عليَّ وعلى أولادي، إن كانت لي حاجة قضاها، أو احتجت إلى قرض أقرضني وأسعفني، وإن غبت خلفني في أهلي وولدي، يبرهم بكل ما يجد إليه السبيل، من غير أن يناله منا عوض أو شكر. وإبليس كلما سمع منه يقول: هذا حسن، وهذا جميل، وهذا جيد. فلما فرغ من وصفه، قال إبليس: فما تحب أن أفعل به؟ قال: أريد أن تزيل عنه نعمته، وتفقره، فقد غاظني أمره، وكثرة ماله، وبقاؤه، وطول سلامته! فصرخ إبليس صرخة لم يُسمع مثلها منه قط، فاجتمع إليه عفاريته وجنده، وقالوا: ما الخبر، يا سيدهم يا مولاهم؟ فقال لهم: هل تعلمون أن الله - عز وجل - خلق خلقًا هو شر مني؟ قالوا: لا! قال إبليس: فانظروا إلى صاحب هذا الكتاب القائم بين يدي، فهو شر مني".
ومن قصص الكلاب: وحدثني إبراهيم بن برقان قال "كان في جوارنا رجل من أهل أصبهان يعرف بالخصيب ومعه كلب له، جاء به من الجبل، فوقع بينه وبين جاره خصومة إلى أن تواثبا، فلما رأى الكلب ذلك وثب على الرجل الذي واثب صاحبه، فوضع مخالبه في إحدى عينيه، وعض قفاه، حتى رأيت الرجل قد غشي عليه ودماؤه تجري على الأرض". ويذكر زهير ظاظا أن هناك شكاً في نسبة الكتاب إلى ابن المرزبان.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق