ماكرون يُقدّم ترياقا لإبطال سُم القومية

ماكرون يُقدّم ترياقا لإبطال سُم القومية

لنتجاهل العلامات المألوفة. إيمانويل ماكرون كسر قالب السياسة الفرنسية. يقول زعيم حزب "إلى الأمام" إن جولته الثانية من السباق الرئاسي مع زعيمة حزب الجبهة الوطنية، مارين لوبن، تمثّل بدلاً من ذلك خيارا بين الوطنية والقومية. هو مُحق. ينبغي أن يتردد صدى هذه الرؤية خارج فرنسا. الخط الفاصل المهم الآن في الديمقراطيات الغنية يكمُن بين الوطنيين والقوميين.
المتمردون الشعبويون في مختلف أنحاء أوروبا طمسوا هذا التمييز. يجب على المواطنين، كما يدّعون، الاختيار بين الولاء للأمة وبين العولمة المُدمِرة. التعبير عن الوطنية أدى إلى زعزعة استقرار الأحزاب السائدة من اليمين واليسار. بعضهم على اليمين سعى إلى ركوب النمر الوطني. بالتالي جاء تأكيد رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، على أن مواطني العالم ليسوا مواطنين لأي بلد. على اليسار، الخطأ الشائع كان التنصل من أي عرض للولاء على اعتبار أنه يمثل كراهية الأجانب.
ماكرون، الشخص الداخلي والخارجي في السياسة الأوروبية، واجه الشعبويين مباشرة. من خلال تحدّي خيار ماي الثنائي، يُعلن نفسه أنه مواطن دولي فخور بفرنسا.
لقد كنّا هنا من قبل. من خلال دراسة القوى التي أدخلت أوروبا إلى الحرب خلال الثلاثينيات، رأى الكاتب جورج أورويل عملية طمس الخطوط نفسه. الوطنية، كما كتب، هي مشاعر إيجابية تحتفل بالمؤسسات الوطنية وبالتقاليد والقيم. إنها مفتوحة ومتفائلة. القومية هي قوة أعمق تماماً، متجذرة في الوقت نفسه في التفوق وجنون العظمة.
ليس لدى الوطنيين أي خلاف مع الخيارات التي يتّخذها الآخرون. بينما يبحث القوميون عن الأعداء، بتشكيل علاقات دولية كلعبة محصلتها صفر. أفكار القوميين، كما لاحظ أورويل "دائماً ما تتحوّل إلى فوز، هزائم، انتصارات، وإذلال".
ربما كان يتحدث عن أوروبا اليوم. عمل القوميون في أنحاء القارة كافة على زعزعة استقرار النظام الليبرالي ما بعد الحرب، من خلال اتّباع سياسات الاستبعاد والتخويف. الطغاة الصغار، مثل فكتور أوربان رئيس وزراء هنغاريا، يبتهجون بعدم ليبراليتهم. بولندا تحت سيطرة حزب قومي يرفض علناً قيم الاتحاد الأوروبي - على الرغم من أنه بالطبع يُصرّ على الاستمرار في الحصول على تمويل بروكسل السخي. حركة الخمس نجوم المناهضة لأوروبا بقيادة بيبي جريلو في إيطاليا تُهدد بإسقاط النظام القديم بالتعاون مع حزب الرابطة الشمالية اليميني المتطرف.
الوصف التشخيصي الذي وضعه أورويل ينطبق على لوبن حقيقية بقدر انطباقه على أي شخص آخر. علامة القومية الخاصة بها مُرهِقة وقبلية. مع قيادة حزب غارق منذ فترة طويلة في معاداة السامية أضافت الإسلام وأوروبا والعولمة إلى قائمة الأعداء. فرنسا، بموجب هذه العقلية، هي حضارة تحت الحصار. جاذبيتها ستكون في أعين الغاضبين والمحرومين. العلاجات المفروضة - سيطرة الدولة، وتشويه سمعة المهاجرين، والحمائية - هي حل الشعبويين المألوف.
الشعبوية لديها نفوذ لأن كثيرا من المظالم التي استغلتها حقيقية. معدل البطالة مرتفع بشكل غير مقبول، الدخل المتوسط راكد، أنظمة الرعاية الصحية تتعرّض للضغط، والمصرفيون الأغنياء الذين أسقطوا الاقتصاد العالمي يستمرون في كنز الأموال. لا ينبغي أن نفاجأ من أن الناخبين الغاضبين يتقبلون الشعارات الغاضبة. لكن استفاد الشعبويون أيضاً من تهاون وخداع النخبة القديمة. بعضهم، مثل ماي، مال إلى اليمين. آخرون يحدّقون في أحذيتهم. أحزاب يسار الوسط كانت بدون هدف بسبب هجرة مؤيديها التقليديين بأعداد كبيرة.
هناك عديد من الأسباب لتصويت المملكة المتحدة العام الماضي للخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن فشل السياسيين البريطانيين على مدى أعوام عديدة في تأكيد الحالة المُقنعة للتعاون الوثيق مع بقية القارة الأوروبية مهّد الطريق لخروج بريطانيا. خروج بريطانيا "الصعب" وتشديد الضوابط على الهجرة التي تقترحها ماي الآن يُشيران إلى الخوف من السياسات الدولية المفتوحة. من الأفضل، بحسب تفكير رئيسة الوزراء، المخاطرة بإلحاق أضرار جسيمة بأمن واستقرار بريطانيا من الوقوف على الجانب الخاطئ من الشعبويين في حزب استقلال المملكة المتحدة.
ماكرون هو أول زعيم جاد يقدم الحجة القوية لصالح الوطنية – الذي يجادل بأن مصالح فرنسا وأمن واقتصاد مواطنيها تعتمد كلها على استعادة صوت قوي على الساحة العالمية. وهو غير نادم في مماهاة المصلحة الاقتصادية الفرنسية مع مصلحة أوروبا، وفي تفسير أن بعض التحدّيات الأكبر التي تواجه الأمة - الإرهاب وتغير المناخ من بينها - تتطلب التعاون الدولي وليس التراجع الفرنسي. سيبدو غريباً لبعضهم أن أي زعيم ينبغي أن يجتذب الثناء لوضع الحقائق البسيطة للاعتماد المتبادل، لكن التي بحد ذاتها هي مقياس لمدى سقوط السياسة في مواجهة الشعبويين.
لا يعني أي من هذا أن ماكرون سينجح في نهاية المطاف بمساعيه. إذا حقق، كما تُشير استطلاعات الرأي، فوزا مريحا على لوبن في جولة الانتخابات الثانية في السابع من أيار (مايو)، فسوف يواجه انتخابات برلمانية في حزيران (يونيو). "إلى الأمام" هو حركة وليس حزبا وسيُكافح من أجل كسب أعداد كبيرة من المقاعد في المجلس.
كذلك وصف الرئيس المُحتمل للإصلاح المحلي والانخراط على المستوى الدولي لا يضمن الحصول على دعم الجمهور: ما يُقارب نصف الناخبين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية يدعمون المرشحين من اليمين واليسار المتطرف.
مع ذلك، ماكرون أضاء الطريق الوحيد المُتاح لمؤيدي المجتمعات الليبرالية المفتوحة. القومية، كما ينبغي أن تكون قد عرفت أوروبا، دائماً ما تكون مدمرة. الوطنية هي الترياق.

الأكثر قراءة