مختصون: مكافحة الفساد تزيد من ثقة المستثمرين في بيئة الأعمال والقوانين المحلية

مختصون: مكافحة الفساد تزيد من ثقة المستثمرين في بيئة الأعمال والقوانين المحلية

أكد عدد من المختصين السياسيين، أن الأمر الملكي الصادر البارحة الأولى بحق وزير الخدمة المدنية الأسبق خالد العرج، المتعلق بمحاكمة الوزراء ومحاسبتهم، يعد سابقة في تاريخ الدولة، ويحمل عددا من الرسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية إلى الداخل والخارج، والمواطن والمسؤول، كما أنه يزيد من ثقة المستثمرين ببيئة الأعمال والقوانين الداخلية.
وأوضحوا، أن الأمر الملكي يؤكد قوة ومتانة الدولة داخلياً وخارجياً وحرصها على الدفع بمسيرة التنمية داخليا وتحقيق الانتصارات خارجياً، علاوة على جذب المستثمر الأجنبي وزيادة الإنتاجية للفرد في جو من التنافسية والشفافية. وقال لـ "الاقتصادية" الدكتور صدقة فاضل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك عبدالعزيز وعضو مجلس الشورى الأسبق، "إن القرارات الملكية في مجملها تصب في مصلحة المملكة والتنمية الاجتماعية الشاملة التي وضعتها الدولة نصب عينيها منذ تأسيسها". وأشار إلى أن القرارات تضمنت أمورا أخرى إيجابية أبرزها الدفع بالكفاءات الشابة التي ستتولى مسؤوليات ومهام كبرى في الدولة خلال الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن مما لفت نظر الجميع أن هناك محاسبة مشددة لوزير ارتكب تجاوزات اقتضت إعفاءه من منصبه، وتشكيل لجنة كبرى في الديوان الملكي للتحقيق في هذه التجاوزات، وهو ما يحدث لأول مرة. وبين، أن الخطوة أوضحت أن المسؤول مهما علا منصبه، فهو واقع في النهاية وخاضع للرقابة والمحاسبة، وسيعاقب على أي تجاوزات قد يرتكبها أثناء توليه المنصب، وهذا الأمر يحدث لأول مرة في تاريخ العمل السياسي والإداري في المملكة، لافتا إلى أن هذه المساءلة ستصبح سُنة من الآن فصاعداً، وستطبق في حق كل من يتجاوزون مناصبهم لتحقيق منافع خاصة على حساب المصلحة العامة.
وفيما يتعلق بأثر تلك الخطوة داخلياً وخارجياً في صورة المملكة وسياساتها، لفت الدكتور فاضل إلى أن قرار إنشاء المملكة الهيئة العامة لمكافحة الفساد "نزاهة"، كان يعد تطويرا إداريا ومهنيا كبيرا في وقته، واليوم نشهد ثمرة هذا التطور الذي أحرزته المملكة من خلال الهيئة.
ودعا "نزاهة"، إلى أن تطور من نفسها وأعمالها وإجراءاتها، بحيث تكتسب الهيئة صلاحيات أكبر لمحاسبة المقصرين والتشهير بهم، إذ ما زالت صلاحية التشهير محظورة عليها، مطالبا بمنح الهيئة صلاحية التشهير لكي تردع المتجاوزين، هو مطلب مهم تتطلبه التنمية الشاملة في أي بلد، لكي تقوم بمراقبة المتجاوزين ومتابعة أعمالهم وإنزال العقوبة الجنائية اللازمة بحقهم بحسب تجاوزاتهم ووفق القانون.
وشدد الدكتور صدقة فاضل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك عبدالعزيز، على أن هذه الإجراءات التي تحجم الفساد في المجتمع والبيئات الإدارية المختلفة ستنعكس إيجاباً على صورة المملكة خارجياً ما سيزيد من ثقة المستثمرين ببيئة الأعمال والقوانين الداخلية.
وفيما يتعلق بقرار إنشاء مجلس الأمن الوطني للمملكة، أثنى الدكتور فاضل على إعادة المجلس، حيث كان موجودا في السابق، وألغي بداية العام الحالي ضمن المجالس التي ألغتها الدولة أخيرا، وتم إلحاق مهامه بمجلس الشؤون الأمنية والسياسية، مشيرا إلى أن إعادة صلاحياته تشير إلى أن الدولة واعية لما يقتضيه من أهمية بالغة مع تبعيته لمجلس الشؤون الأمنية والسياسية، حيث يستهدف المجلس المُستحدث ترشيد السياسات الداخلية والخارجية لتكون أكثر صحة ورشداً وصواباً في المراحل المقبلة.
من جهته، اعتبر الدكتور فهد الخريجي، المختص السياسي والاستراتيجي، أن المحاسبة والمسؤولية أصل من أصول الإدارة، وهناك قواعد للمساءلة منها تعزيز العلم ويقين المسؤول سواء كان صغيراً أم كبيراً، بالحقوق والواجبات، مؤكدا أن الرسالة الملكية من الأمر الملكي واضحة للفهم من قبل الشعب قبل المسؤول.
وأوضح الدكتور الخريجي، أن المسؤولية هي شرط من شروط الالتزام بالوظيفة، والملك سلمان منذ توليه زمام الحكم دلت جميع قراراته على المحاسبة والمتابعة، وذلك من خلال الإعفاءات التي طالت عددا من الوزراء بعد مدة قليلة من تسلمهم أعمالهم، حيث حدثت إقالة البعض خلال مدة قصيرة لا تتجاوز شهرين من بداية تسلم المنصب.
وبين، أن انضباط العمل الإداري لا يتم إلا بالمحاسبة، وهو ما كان واضحاً جلياً من خلال تاريخ الملك سلمان منذ توليه إمارة منطقة الرياض، إذ عرف بالحزم والانضباط، فقد كان يأتي أول الموظفين في الإمارة ويغادر آخرهم، ولم يكن يجامل في حقوق المواطنين، ولذلك نجد أن الأوامر الملكية رسالة واضحة بأن الدولة ملتزمة بمسؤولياتها تجاه المواطنين بإعادة أكثر من 52 بدلا للموظفين، فور تحسن ظروفها المالية، على الرغم من كونها تكلفة عالية على الدولة، في ظروف اقتصادية صعبة، وهي رسالة بأن كل مواطن يستطيع الحصول على حقوقه، لكن هناك في المقابل لا بد من المحاسبة على الأخطاء والتخلص من العقلية القديمة للمسؤول بأنه يستطيع فعل كل شيء دون محاسبة.
وحث الجهات المسؤولة في الدولة على ضرورة استحداث ما يمكن تسميته بـ "بروتوكول المسؤول" ليكون دفترا أو كتيبا يوضح الواجبات والمهام بالتفصيل، بحيث يفهم الوزير أنه ليس من حقه توظيف ابنه أو قريبه في الوظائف العامة، كما أن من مهامه الحفاظ على رضا المواطنين والحفاظ على الآداب العامة.
وأضاف، "إن الأوامر الملكية حملت رسائل سياسية وجهتها المملكة إلى الخارج، مفادها أن الممكلة لا تزال قوية، ولديها توازن بين الشأن الداخلي والخارجي، باعتبارها إحدى دول مجموعة الـ 20 الاقتصادية، وأحد أكبر مصدري البترول على مستوى العالم، ولديها توازن في اتخاذ القرارات القوية والحازمة إقليمياً حتى لا تقع الأمة العربية والإسلامية تحت هيمنة "الملالي" وفي المقابل هي ترعى أبناءها ومصالحهم بشكل متميز".
ولم يخفِ الخريجي أهمية تلك القرارات اقتصادياً، إذ إنها تحمل رسائل لرجال الأعمال السعوديين بأن عليهم أن يعملوا بجد واجتهاد في تنويع مصادر الدخل وجذب النقد في ظل المناخ الآمن الذي تنعم به المملكة، ورسالة إلى المستثمرين الأجانب بأن قوة الدولة بقوة أهلها، وأن رأس المال يقوى ويزداد في الدول الغنية المزدهرة التي تبحث عن التنمية بتنمية مصادر دخل مواطنيها.
من جانبه، يرى حسين شبكشي، كاتب في الشأن الإقليمي، أن مسألة المحاسبة تعتبر خطوة مهمة في تطبيق "الرؤية" الجديدة للمملكة، متوقعاً أن يكون للخطوة أثر إيجابي في جذب الاستثمارات الداخلية والخارجية، بعد أن تحولت السياسة المالية للمملكة إلى سياسة محافظة لكنها مدروسة.

الأكثر قراءة