الطلب العالمي على الصكوك السعودية .. رسالة قوية

رغم أن تصنيف المملكة الائتماني من قبل مؤسسات التصنيف قد تراجع بشكل طفيف من أعلى مستوى له (AA+) حتى مستوى (A) مع النظرة المستقرة، إلا أن وقائع الحال الاقتصادية تشير إلى أن مؤسسات التصنيف لم تنصف المملكة فعلا، وأنه ما كان يجب أن يتراجع تصنيفها أبدا، فقد جاء تصنيف المستثمرين وهو الأصدق أعلى بكثير في أول صكوك سعودية مقومة بالدولار، فرغم أن الإصدار من السندات الحكومية المقومة بالدولار قد جاء على شريحتين بحسب مدة الاستحقاق، بحيث تغطي الشريحة الأولى مدة خمس سنوات وبلغت 4.5 مليار دولار، والشريحة الثانية لمدة عشر سنوات بقيمة 4.5 مليار، وبهذا فإن حجم الطرح بلغ تسعة مليارات دولار "31 مليار ريال تقريبا". ووفقا لتصنيف المؤسسات الدولية عند مستوى (A) فإن مثل هذه الطرح الضخم لن يتم تغطيته بسهولة، ولكن واقع الحال وقرارات المستثمرين جاءت عكس المتوقع تماما، حيث بلغت طلبات المستثمرين الدوليين الذين تقدموا بطلبات لشراء الصكوك السعودية، قيمة 33 مليار دولار، ووفقا لتحليل وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، فقد غطت الطلبات المقدمة حجم الإصدار من الصكوك بنسبة 367 في المائة، أي نحو أربعة أضعاف الإصدار السعودي من الصكوك الدولية.
ويبقى السؤال: لماذا جاءت طلبات المستثمرين بهذه القوة الأمر الذي أدى إلى أن تقوم الحكومة بتعديل سعر الفائدة؛ فخفضت المملكة التسعير للإصدار إلى 100 نقطة أساس فوق متوسط عقود المبادلة، لشريحة خمس سنوات، وإلى 140 نقطة أساس فوق عقود المبادلة لأجل عشر سنوات، وذلك مقارنة بـ115 و155 نقطة أساس في التسعير الأولي. لا شك أن قوة الاقتصاد هي المصدر الأساس في هذا، فالأسواق العالمية تهتم بالمخاطر أولا، وهي توازن بين المخاطر والعوائد، وعند عوائد غير تنافسية فإن قياس المخاطر هو الذي يجذب المستثمر، نحو تلك السندات الأقل خطورة، وإذا كانت التصنيفات هي أحد أهم مقاييس الخطورة، فإن إقبالا ضخما بهذا الحجم، وعلى طرح ضخم بهذا الحجم يشير إلى قوة الاقتصاد السعودي وحكومته وقلة تأثير المخاطر، وهذا يجعل التصنيف الفعلي للمملكة عند مستويات خالية من المخاطر أي أكثر من (AA) وبنظر مستقرة. هذه هي الحقائق التي تقررها السوق، وهي الأهم والأكثر صدقا، فلا يمكن أن تتنافس هذه المؤسسات الدولية بكل هذا المستوى الضخم على هذا الطرح الضخم إذا لم تكن تدرك تماما حجم الاقتصاد الذي تستثمر فيه، وصدق حكومته، وصدق توجهاتها الاقتصادية وشفافية المعلومات التي تقدمها، ووضوح رؤيتها الاقتصادية.
الأمر الآخر اللافت للانتباه هو هذه الرغبة الجامحة لدى المستثمرين الدوليين في المشاركة في التنمية الاقتصادية في المملكة، وهذا الاهتمام ليس لمجرد تعاطف مع الحكومة، فعالم الأعمال لا يتخذ قراراته بناء على تعاطف، بل إن المستثمر يتوقع عوائد كبيرة على مدى السنوات التي تغطيها السندات، وإذا كان من المتوقع أن تكون الفوائد في كثير من الدول عند مستويات مخاطر أعلى من المملكة، فإن سعر السندات السعودية في المستقبل سوف يرتفع عن قيمته الاسمية، وهذا هو أهم ما تسعى إليه المؤسسات، فهي قادرة على الفوز ببيع كل الاستحقاقات بمعدل خصم مناسب، فالسندات تستند إلى اقتصاد مستقر ونامٍ. السبب الثالث هو مبادرة وزارة المالية بإنشاء مكتب إدارة الدين العام في وزارة المالية ضمن توجهات الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية والمالية التي تضمنتها خطة "التحول الوطني2020" بهدف تطبيق وتحقيق "رؤية المملكة 2030". فمن الواضح أن هذا المكتب قادر على تحقيق الهدف منه، وأنه يمثل حجر زاوية في تقييم المستثمرين من حيث حوكمة الدين العام في المملكة، فدور هذا المكتب يتجاوز إدارة الدين إلى تطوير سوق أدوات الدين الحكومية بشقيها الأولي والثانوي، وأن قرار تسجيل وإدراج وتداول إصدارات الدين العام عبر منصة السوق المالية السعودية "تداول" بشكل تدريجي، هو الأساس الذي قدم للمستثمرين رسالة قوية عن التوجهات الحكومية تجاه تمكين المستثمرين من بيع سنداتهم في سوق حرة، وأسعار شفافة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي