محللون لـ "الاقتصادية: تراجع الدولار "مؤقت".. وتوقعات بارتفاعات وشيكة

محللون لـ "الاقتصادية: تراجع الدولار "مؤقت".. وتوقعات بارتفاعات وشيكة

قال شهد الدولار الأمريكي تراجعا ملحوظا في الآونة الأخيرة، حيث تدهور أمس الأول إلى أدنى مستوى في أربعة شهور نظرا لحالة عدم اليقين التي تسود الأسواق الأمريكية حاليا حول وضع سوق الأسهم.
وتشير بعض التقديرات إلى أن الدولار خسر أخيرا المكاسب التي حققها منذ 8 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عندما فاز ترمب بالانتخابات الرئاسية، ويرجع البعض ذلك إلى حالة الإحباط التي أصابت الأسواق نتيجة إعلان الفيدرالي الأمريكي عزمه رفع أسعار الفائدة مرتين فقط هذا العام، في الوقت الذي كانت تأمل فيه الأسواق ورؤوس الأموال الدولية رفع الفائدة ثلاث مرات في 2017.
ويعتبر آخرون أن التوتر المكتوم بين الرئيس الأمريكي وجانيت يلين رئيسة الفيدرالي بدأ يتسرب إلى الأسواق وهو ما أدى إلى تراجع سعر صرف العملة الأمريكية في مواجهة العملات الدولية.
ويقول لـ "الاقتصادية"، جورج كولن الباحث في بنك إنجلترا، إنه من المعروف أن الرئيس ترمب خلال حملته للرئاسة انتقد يلين، واعتبر أن ما تتخذه من قرارات مبني على أسس سياسة وليست اقتصادية، مضيفا أنه من الواضح منذ وصول الإدارة الجديدة إلى سدة الحكم فإن المزاج العام لترمب ومستشارية لا ينسجم مع توجهات يلين الاقتصادية.
وأشار كولن إلى أنه على الرغم من أنه لم يحدث حتى الآن صدام مباشر بين الطرفين، فإنه من الواضح أن لحظة الصدام تقترب، وهذا ما تشعر به الأسواق وتتخوف منه، ولهذا تراجعت قيمة الدولار.
ريتشارد براونيلي كبير المحللين الماليين في بورصة لندن يعتقد أن يلين لا تتفق مع ترمب في توجهاته الاقتصادية، ومن ثم فإن العلاقة بين الطرفين لا تتسم بالتعاون.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن هناك مواجهة حقيقية بين مدرستين اقتصاديتين مختلفتين، فمدرسة يلين تعطي الأولية للسياسة المالية لتحقيق التوازن الاقتصادي، وهي على قناعة بأن سياستها تحقق المرجو منها، والدليل على ذلك قدرتها على زيادة أسعار الفائدة لتصل إلى 1 في المائة حاليا، إضافة إلى الارتفاع التدريجي في معدلات التضخم.
وأشار براونيلي إلى أن المدرسة الأخرى التي ينتمي إليها ترمب لا تعتد كثيرا بالسياسة المالية، وإنما ترى في الضرائب عبر زيادتها أو خفضها الوسيلة المثلي لإعادة التوازن للاقتصاد الأمريكي، ونظرا لطبيعة الرئيس ترمب ومفاهيمه الإدارية فإن إمكانية التفاهم بين الطرفين مستبعدة.
ويعتقد البعض أن غياب التعاون بين البيت الأبيض والفيدرالي مثل عائقا أمام قدرة الرئيس الأمريكي على المضي قدما في تنفيذ تعهداته الاقتصادية، في الوقت ذاته يعلم ترمب ومستشاروه أن الاصطدام برئيسة الفيدرالي قد تكون انعكاساته كارثية على الأسواق الأمريكية وتحديدا سوق الأسهم، الذي يخشى كثير من المضاربين من أنه بلغ أعلى منحنيات الصعود حاليا، وأن دورة الهبوط تقترب، ومن ثم فإن الاصطدام بين ترمب ويلين قد يسرع من هبوط أسعار الأسهم الأمريكية والإضرار بقيمة الدولار بصورة كبيرة للغاية.
لكن بعض الاقتصاديين البريطانيين يحملون الفيدرالي الأمريكي مسؤولية تراجع قيمة الدولار، ويوضح لـ "الاقتصادية"، الدكتور جوردن أنجوس أستاذ المالية العامة في جامعة لندن، أن يلين ومستشاريها اتبعوا سياسة هجومية تجاه الأسواق، وبالغوا في مقدار التحسن في السوق الأمريكية، وبالطبع هناك تحسن لا يمكن إنكاره، وكان من الواجب منح هذا التحسن فرصة للتعرف بشكل أدق على عمقه ومداه ومدى استقراره قبل الإقدام على رفع أسعار الفائدة، والتعهد برفعها مرتين أخريين هذا العام، مضيفا أن هذا التسرع أدى إلى ردة فعل سلبية من الأسواق تجاه قيمة العملة الأمريكية.
وفي مواجهة تلك الرؤية يعتقد البعض أن الأسواق بدأت تكتشف تدريجيا حجم المبالغة في خطة ترمب للإصلاح الاقتصادي، ويوضح كريستوفر وار أستاذ التضخم في جامعة ليدز، أن ترمب يتهم سلفه أوباما بأنه زاد قيمة الدين الأمريكي بما يوازي الزيادة التي قام بها جميع الرؤساء السابقين، وعلى الرغم من أن ذلك يتضمن مبالغة لأنه لا يأخذ في الحسبان معدلات التضخم، لكن من المؤكد أن أوباما زاد من إجمالي الدين الأمريكي.
ويعتقد كريستوفر أن الأسواق بدأت تدرك الآن أن خطة ترمب لإصلاح البنية التحتية بقيمة ترليون دولار، ستضمن مزيدا من الزيادة في إجمالي الدين، وخاصة أن عوائد الضرائب ستتقلص نتيجة التخفيضات الضريبية الضخمة التي سيمنحها ترمب للأغنياء، والتي ستصبح كارثية إذا لم تفلح خطته للإصلاح الاقتصادي في تحقيق نمو حقيقي في أكبر اقتصاد عالمي.
ومع هذا يرى بعض المختصين أن هناك مبالغة بشأن الضجة الحادثة في الأسواق حول التراجع في قيمة الدولار، هنري ديفيد المحلل في بورصة لندن يعلق حول هذا الشأن قائلا: "في الأيام الخمسة الماضية انخفض الدولار بنحو 1.56 في المائة مقابل عملة الملاذ الآمن الين، و1.51 في المائة أمام الاسترليني، و0.6 في المائة أمام اليورو، ولكن ما يحدث لا يعدو كونه دورة اقتصادية طبيعية ومعتادة وليس نتيجة خلافات استراتيجية بين ترمب والفيدرالي الأمريكي".
ويضيف ديفيد لـ "الاقتصادية"، أن الأسواق ستصحح وضعها تدريجيا خلال فترة قصيرة وسيعاود الدولار الارتفاع، فما يحدث رد فعل على تعهد جانيت يلين بزيادة أسعار الفائدة مرتين فقط خلال هذا العام، بينما ترغب الأسواق في زيادتها ثلاث مرات، ولهذا أتوقع أن تتفاعل الأسواق بعض الوقت بإيجابية مع هذا الوضع، وأن نشهد ارتفاعا في قيمة الدولار في مواجهة العملات الدولية.

الأكثر قراءة