FINANCIAL TIMES

عطب يصيب محرك النمو في أكبر مشغّل اتصالات إفريقي

عطب يصيب محرك النمو في أكبر مشغّل اتصالات إفريقي

في الوقت الذي كانت تعرض فيه شاشات التلفاز في أبوجا لقطات لموجات غوغائية معادية للأجانب في جنوب إفريقيا، من أفراد كانوا يهاجمون الشركات المملوكة لنيجيريين، سعت مجموعة من الشباب الغاضبين للانتقام. لكن بدلا من مهاجمة سفارة جنوب إفريقيا في العاصمة النيجيرية، استهدفوا بدلا من ذلك مكاتب "إم تي إن" المدرجة في جوهانسبرج، أكبر شركة لتشغيل شبكات الاتصالات في إفريقيا.
يقول هارونا قادري، رئيس مجموعة طلابية شاركت في عمليات نهب وسلب للمكتب، "أبناء جنوب إفريقيا يتوجهون إلينا بالإهانة ويعتقدون أنهم يفعلون الخير معنا. سنرد على طريقتنا الخاصة".
سلط الحادث الذي وقع الشهر الماضي الضوء على التوترات المتصاعدة بين أقوى بلدين في القارة. لكن بالنسبة لشركة إم تي إن، كشف ذلك عن شيء آخر، المشكلات التي تواجهها في أهم أسواقها.
بعد مرور أيام على عملية النهب، كشفت شركة إم تي إن عن أول خسارة سنوية لها على الإطلاق، بلغت 1.4 مليار راند (107 ملايين دولار). وقد جاءت بعد 18 شهرا تراجع خلالها سعر سهم الشركة 40 في المائة، ما أدى إلى خسارتها عشرة مليارات دولار من قيمتها، ذلك إلى حد كبير بسبب المتاعب التي تواجهها في نيجيريا. يوم الإثنين الماضي، تولى رئيس تنفيذي جديد، روب شوتر، مهامه منصبه المتمثلة في تحويل مسار الشركة، التي بلغت قيمتها أكثر من 17 مليار دولار، وإنهاء ما وصفته الشركة نفسها بأنه العام "الأكثر صعوبة" في تاريخها.
بالنسبة لشركة ذات حضور في كثير من أصعب الأسواق الناشئة في العالم، هناك جانب حاسم في هذا الأمر هو نيجيريا. فمن بين مشتركي شركة إم تي إن، البالغ عددهم 240 مليون شخص، 25 في المائة يوجدون في نيجيريا، ذلك البلد الواقع غربي إفريقيا، حيث حققت الشركة ثلث مبيعاتها التي وصلت إلى 11 مليار دولار العام الماضي.
كانت نيجيريا في الماضي محرك النمو بالنسبة لشركة تعد قصة نجاح فريدة من نوعها بين شركات يمتلكها ويديرها السود في جنوب إفريقيا ما بعد الفصل العنصري. وهي تقف الآن باعتبارها أوضح سبب في توقف تقدم شركة إم تي إن - الذي يؤكده تراجع سعر السهم، الذي يرتفع وينخفض جنبا إلى جنب مع العملة النيجيرية المتقلبة وأسعار النفط العالمية.
ولا تزال "إم تي إن" تعاني تداعيات هذا الأمر بسبب غرامة قدرها 5.2 مليار دولار فرضت عليها من قبل السلطات النيجيرية في عام 2015، بسبب فشلها في قطع اتصال خطوط الهواتف الجوالة غير المسجلة. وكشف النائب العام عن فشل في الإدارة، لأن الشركة نفذت خطوات أكثر جرأة لجلب تغطية الهواتف الجوالة إلى بلدان تراوح ما بين إيران - حيث رفعت ضدها دعوى قضائية باءت بالفشل من قبل شركة منافسة تركية، هي"تيرك سيل"، حول مطالبات بأنها حصلت على رخصة الهواتف الجوالة في البلد بشكل غير قانوني - وصولا إلى سورية وأفغانستان. وقد نفت الشركة تلك الادعاءات.
في جنوب إفريقيا التي تشكل مع نيجيريا 70 في المائة من أرباح شركة تشغيل الهواتف الجوالة والخطوط الأرضية، توقف نمو عدد المشتركين، بحيث ازداد أقل من 1 في المائة في عام 2016 ليصل إلى أقل من 31 مليون مشترك بقليل. واستطاعت "فوداكوم"، الشركة المنافسة المحلية لها، ولفترة وجيزة التفوق من حيث الرسملة السوقية في العام الماضي، على الرغم من امتلاكها لربع عدد المشتركين فقط. وتتنافس الشركتان لطرح خدمات إنترنت مربحة عبر الهواتف الجوالة لتبيعها إلى المستخدمين الحاليين بدلا من البحث عن مستخدمين جدد، لكن الاستثمار في البيانات أمر مكلف وتسارع "إم تي إن" من أجل اللحاق بالركب.
يقول محلل في شركة الاتصالات، غطى نشاط الشركة لسنوات، "كانت الغرامة أحد أعراض المشكلات الأوسع في كل من شركة إم تي إن ونيجيريا، بدلا من أن تكون مسببا لتلك المشكلات. لقد أصبحت الشركة متهاونة، وكانت بطيئة في التكيف مع صناعة ناضجة وديناميات متغيرة في نيجيريا".

النمو الانفجاري

استثمرت شركة إم تي إن ما يزيد على 16 مليار دولار في نيجيريا منذ حصولها على الترخيص هناك في عام 2001، عندما كان لدى نيجيريا أقل من نصف مليون خط أرضي ثابت وكانت واحدة من البلدان الأقل اتصالا في العالم. وعلى مدى العقد التالي، تمتعت بفترة من النمو الهائل في نسبة استخدام الهواتف الجوالة في جميع أنحاء إفريقيا، خاصة نيجيريا. وفي الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار النفط في العقد الأول من هذا القرن، ارتفعت كذلك أسعار أسهم الشركة، من 21 راندا للسهم في عام 2004 إلى ذروة بلغت 260 راندا في أيلول (سبتمبر) 2014 - قبيل انهيار سوق النفط الخام الذي أدى إلى سقوط اقتصاد نيجيريا المعتمد على النفط في دوامة الركود.
كان انهيار شركة إم تي إن في نيجيريا سريعا ومفاجئا. في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، بعد ستة أشهر فقط من توليه السلطة، فرضت حكومة الرئيس محمد بخاري غرامة على الشركة تعادل أكثر من ضعف صافي إيراداتها المتوقعة في ذلك العام، بعد اتهامها بالفشل في الاهتمام بأمر يقضي بفصل الاتصال عن بطاقات الاشتراك غير القانونية، التي كان بعضها يستخدم من قبل متمردي بوكو حرام الذي يرتكبون أعمالا إرهابية في البلاد.
دفعت شركة إم تي إن للحكومة 1.7 مليار دولار لتسوية القضية العام الماضي ووافقت على إدراج فرعها المحلي في مؤشر البورصة النيجيرية بأسرع وقت ممكن - من المحتمل أن يكون عام 2018 أقرب وقت ممكن. بالنسبة لإدارة بخاري كانت الغرامة تحذيرا للشركات العاملة في البلاد بأن تمتثل للقانون. لكن شخصا مطلعا على الشركة يقول، إنها جادلت بأن مشكلة الخطوط غير المسجلة لا يمكن معالجتها حتى يكون لدى نيجيريا نظام فاعل لبطاقة الهوية الوطنية. يضيف الشخص أن الشركة اقترحت أن تشارك خبرتها في مجال تسجيل الخطوط الخليوية في بيئات أخرى صعبة مثل سورية.
ويتساءل، "في النهاية، من وجهة نظر أمنية، هل تعلمنا أي شيء؟ ركزت (الحكومة) فقط على العقوبة، وليس على الاستفادة من الدروس".
ولا تزال "إم تي إن" تمتلك أكثر من 50 في المائة من الحصة السوقية، من خلال المشتركين في البلد الذي يزيد عدد سكانه على 180 مليون شخص، لكن الصدمات التي تسببت بها الغرامة، والاستياء من كون الشركة رمزا يمثل جنوب إفريقيا لا يزالان محسوسين لدى الناس. وهي تواجه تحقيقا جديدا من قبل المشرعين النيجيريين بشأن قضية تهرب ضريبي مزعومة وإعادة أرباح بطريقة غير مشروعة حجمها 13.9 مليار دولار في العقد المنتهي في عام 2016. لكن "إم تي إن" نفت ارتكاب أية مخالفة.
طلب من فوثوما نليكو، الرئيس التنفيذي الذي أدار الشركة خلال فترة النمو الهائل وأشرف على توسعها في 22 بلدا في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، أن يعود إلى منصبه رئيسا تنفيذيا لفترة مؤقتة حتى وصول شوتر. وقد أخبر مستثمرين هذا الشهر بأن "إم تي إن" سوف "تلجأ لعملية إعادة تجديد"، بما في ذلك إدخال "طبقة ثانية بين المجموعة والبلدان المختلفة على المستوى الإقليمي" لتحسين تدقيق عملياتها التشغيلية.
وعند إعلان نتائج عام 2016، قال نليكو، "لا تزال "إم تي إن" تحتل المرتبة الأولى كعلامة تجارية" في معظم البلدان التي تعمل فيها. "هناك كثير الذي يمكن الاستفادة منه في هذا المجال".
لكنها تواجه منافسة شرسة ليس فقط في سوقها المحلية، بل أيضا من قبل شركات تشغيل أخرى في إفريقيا كانت سريعة في تحويل تركيزها نحو بيع مزيد من بيانات الهواتف الجوالة المربحة بدلا من وقت المكالمات.
في نيجيريا، تتعرض قدرة "إم تي إن" لطرح مزيد في مجال البيانات لإعاقة بسبب الاضطرار إلى إنفاق الدولارات على أمور مكلفة، مثل الأبراج، في الوقت الذي تجني فيه أموالا أقل من خلال عملياتها التشغيلية. وانخفض هامش الأرباح في الشركة في نيجيريا (قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك والإطفاء) من أكثر من 58 في المائة في عام 2014 إلى أقل من 47 في المائة العام الماضي - ما يؤكد على مدى ربحية الشركة من البلد، لكن أيضا على الصعوبة التي ستواجهها أثناء تحويل عملياتها التشغيلية في الوقت الذي تستمر فيه عملة نيجيريا في التراجع.
يقول رجل أعمال مقره جوهانسبرج ومقرب من نليكو، "نيجيريا على رأس الأولويات. لم يزر شوتر نيجيريا مطلقا. وقضيته الأولى هي فهم التحيز التقليدي الخاص بالشعب النيجيري ضد مواطني جنوب إفريقيا الذين يعتقدون أنهم يتصرفون كما لو أنه يمكنهم تقديم دروس وعبر تستفيد منها بقية أجزاء إفريقيا".

النجمة السوداء

لا يمكن المبالغة بأهمية الشركة في تاريخ جنوب إفريقيا أخيرا. كان شخص واحد فقط من بين 100 شخص من السود في جنوب إفريقيا يملك خطا هاتفيا عندما تم إطلاق "إم تي إن" في عام 1994 – السنة التي انتهى فيها الفصل العنصري وانتخب نيلسون مانديلا رئيسا للبلاد.
في سعيها للحصول على تراخيص الأجهزة المتنقلة الأولى التي يتم إصدارها بموجب الديمقراطية الفتية في البلاد، المجموعة، التي تم إنشاؤها من قبل شركة لتمكين السود تدعى "استثمارات إفريقيا الجديدة"، كانت في المكان المناسب في الوقت المناسب.
حكومة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي كانت قد بدأت لتوها في نقل الصناعات الرئيسة بعيدا عن ملكية الأقلية البيضاء. سرعان ما أصبحت "إم تي إن" مرادفا للذين يدعون إلى مزيد من الشركات المملوكة، أو المدارة من قبل السود.
عندما تطلعت إلى التوسع الدولي، بعد أربع سنوات فقط من إطلاقها، باركت حكومة جنوب إفريقيا ذلك. حتى اليوم عدد قليل للغاية من الشركات الجنوب إفريقية التي اتخذت قفزة خارج البلاد - ومعظمها من شركات المناجم، مثل شركة آفريكان رينبو مينرال African Rainbow Minerals – مملوكة للسود.
أصبح الدعم السياسي أكثر وضوحا في عام 2009، عندما منعت وزارة المالية في بريتوريا محاولة من "بهارتي ايرتل" الهندية لشراء "إم تي إن" في صفقة بقيمة 24 مليار دولار.
اليوم أكبر مساهم في الشركة، مع حصة نسبتها 16 في المائة، هو شركة الاستثمارات العامة، وهي شركة لإدارة استثمار صناديق تقاعد الموظفين الحكوميين الذين معظمهم من السود. وفي الوقت الذي تنتهج فيه انعطافا جذريا، تتعرض "إم تي إن" لضغوط لعدم التراجع عن التمكين - الذي تجسد في رد الفعل على تعيين شوتر، وهو شخص أبيض من جنوب إفريقيا أخِذ من القسم الأوروبي لشركة فودافون في العام الماضي. وقد وصف ذلك من قبل "منتدى إدارة السود"، وهي جماعة ضغط، بأنه "ضربة خطيرة للتحول" الذي أظهر "عدم تبصر" مديري شركة إم تي إن السود.
تصدت "إم تي إن" لذلك بالقول، "في حين سيكون التحول دائما مهما"، إلا أن على الشركة التركيز أيضا على الابتكار وأن تظل قادرة على المنافسة. ويعكس البيان التوتر في كون الشركة رمزا للتمكين في الداخل وفي الوقت نفسه شركة عالمية أكثر من نصف أسهمها مملوكة خارج جنوب إفريقيا.
وجددت الشركة خطة لوضع مزيد من أسهمها في أيدي المستثمرين السود، مقدمة بذلك حصة بقيمة 4 في المائة تبلغ قيمتها 9.9 مليار راند (730 مليون دولار) لرفع ملكية السود من أعمال الشركة في جنوب إفريقيا، لتصبح أكثر من 30 في المائة. ومن شأن تلك العتبة، التي تضم أسهما مملوكة بشكل غير مباشر، أن تسمح للشركة بتقديم عطاءات لطيف الترددات اللا سلكية في جنوب إفريقيا في مزاد في وقت لاحق من هذا العام - جزء من محاولة لطرح إمكانية وصول أسرع إلى خدمات الإنترنت على شبكتها والتغلب على تباطؤ النمو في الداخل.
لكن الأسئلة لا تزال قائمة حول ما إذا كان وضع "إم تي إن" باعتبارها بطلا قوميا يعيق قدرتها على إدراك المشكلات في الأسواق الدولية، وتشجيع التنفيذيين المحليين للتعامل معها. من خلال التعاقد مع شوتر - واستبدال تنفيذيين آخرين في مجلس الإدارة على مستوى المجموعة - تحاول الشركة الرد على انتقادات المساهمين حول إدارتها لهذه المخاطر.
يقول ديون بوتا، المتحدث باسم شركة الاستثمارات العامة، "إنه أمر مخيب للآمال عندما يتبين أن شركاتنا المخصصة لمساهمينا تخالف القانون"، مضيفا أنها، "تعمل مع إدارة "إم تي إن" لإقناعها بأن الامتثال للقانون هو أولوية قصوى، وأنه ينبغي تعزيز إدارة المخاطر في الشركة".
هذا يمكن أن يساعد المجموعة على التعلم وتحسين علاقاتها مع الأجهزة المنظمة في البلدان الأخرى التي تعمل فيها، كما يقول المراقبون.
أحد المحامين ـ مقره لاجوس ـ ذوي الدراية بالأجهزة المنظمة النيجيرية وبفرع "إم تي إن" المحلي في نيجيريا، كان أكثر صراحة. يقول، "إن ثقافة شركة إم تي إن نابعة من تمكين السود في جنوب إفريقيا. وبسبب أيام الفصل العنصري، كل ما يلزم القيام به هو القول (للسلطات) انظروا نحن من السود، ونحن نريد شركة الاتصالات، وهذا كل شيء (فهموا ذلك)".
ويؤكد مسؤولون في أبوجا أنهم لا يريدون من "إم تي إن" مغادرة نيجيريا. يقول أديبايو شيتو، وزير الاتصالات، "سأكون وزيرا غير مسؤول إذا ما أثيرَ خوف "إم تي إن". يجب أن نعطي لكل شركة كل الحماية، وعندما تخطئ، نعاقبهم من أجل أن يعودوا إلى جادة الانضباط (العقوبة بشكل مناسب). عندما يكون لديك صداع لا يكون الحل بقطع الرأس".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES