التأمين الطبي للمعلمين .. والأسئلة المحيرة

باختصار لا أعتقد أن وزارة التعليم أحسنت إدارة ملف التأمين الصحي بصورة تلبي تطلعات منسوبيها لأسباب سأركز في هذا المقال على محورين منها:

أولا: المحور التشريعي
1. المفترض قبل أن يتم الاتفاق مع إحدى شركات التأمين أن يتم إصدار قرار من مجلس الوزراء. فهذا الاتفاق مخالف للمادة الأولى لنظام الضمان الصحي التعاوني، الذي تنص مادته الأولى على أنه يجوز تطبيقه على المواطنين وغيرهم بقرار من مجلس الوزراء (انظرا المرسوم الملكي رقم (م/10) وتاريخ 1420/5/1هـ وقرار مجلس الوزراء رقم 71 بتاريخ 1420/4/27هـ). وعلى حد علمي لم يصدر قرار من مجلس الوزراء يجيز تطبيق التأمين على المواطنين؛ لذا يبقى السؤال: ما المستند التشريعي والقانوني لهذا القرار؟
فمثلا عندما كان التأمين الصحي مقتصرا على غير السعوديين العاملين في القطاع الخاص، صدر قرار وزاري يجيز تطبيق التأمين الصحي على السعوديين العاملين في القطاع الخاص فقط. فتطبيق التأمين الصحي على المواطنين يتطلب إصدار قرار آخر من مجلس الوزراء لدعم مثل هذا التوجه لوزارة التعليم، وهو ما لم يحدث.
2. اللائحة التنفيذية لنظام الضمان الصحي التعاوني- حسب مادتها الثانية (المستفيدون)- لا تغطي موظفي الوزارات الحكومية، ما يعني أن التأمين الاختياري لا يوفر حماية قانونية للمعلمين، سواء ضد شركات التأمين أو مقدمي الرعاية الصحية أو الأطراف الأخرى؛ لذا كان الأولى أن يتم تحديث اللائحة التنفيذية بعد أن يتم إصدار قرار من مجلس الوزراء يجيز تطبيق الضمان الصحي التعاوني على منسوبي الوزارة.
3. أشار وزير التعليم إلى اللائحة التنفيذية القديمة (الصادرة عام 1423هـ) لمجلس الضمان الصحي التعاوني، ولم يشر إلى اللائحة التنفيذية الجديدة (الصادرة عام 1435هـ) على الرغم من الاختلاف الكبير في المنافع والتغطية بين اللائحة القديمة واللائحة الحديثة؛ كاختلاف في الحد الأقصى لتكاليف النظارة، الذي تغير من 200 إلى 400 ريال، واختلاف سقف عمر الأبناء إلى 25 سنة بدلا من 18 سنة وغيرها من المنافع. فوزير التعليم- حسب موقع وزارة التعليم- أشار "موجب نظام مجلس الضمان الصحي التعاوني الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/10 وتاريخ 1420/5/1هـ ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الصحة رقم 460/23/ض وتاريخ 1423/3/27هـ في هذا الشأن بتغطية نفقات توفير الرعاية الصحية للمؤمن عليهم بموجب هذه الوثيقة". لذا فهل سيتم تنفيذ اللائحة القديمة بمنافذها أم الحديثة بمنافعها؟
4. كان الأولى ألا يكون المرجع في تطبيق التأمين الصحي للمعلمين مجلس الضمان الصحي التعاوني لعدة أسباب، منها أن لائحة الضمان الصحي التعاوني في أساسها صممت لغير السعوديين العاملين في القطاع الخاص، الذين ليس لهم أحقية الحصول على الرعاية الصحية إلا عبر القطاع الصحي الخاص، كما أن النظام لا يطبق على من تجاوز 65 عاما. فنظام الضمان الصحي التعاوني تجاري؛ فمن الطبيعي أن يتجنب تقديم الخدمة للفئات الأكثر احتياجا للرعاية الصحية سواء الوالدان أو المتقاعدون. لذا فالمشكلة الأساسية ليست في عدم ضم الوالدين، وإنما تطبيق نظام مصمم في أساسه لغير السعوديين، ما تسبب في هذه الإشكالية وسيتسبب في إشكاليات أخرى ليس المجال لذكرها. تجربة الإمارات في إمارة أبو ظبي قسمت منافع التأمين على ثلاث فئات: 1. المواطنون 2. المقيمون المهنيون 3. المقيمون. هذا التقسيم مبني على حقيقة تكفل الدولة بتقديم الرعاية الصحية لمواطنيها، بينما يتكفل أرباب الأعمال بتوفير الرعاية لغير المواطنين. لذا كان الأولى أن يتم اعتماد نظام جديد يتوافق مع احتياج المواطنين بدلا من أن يتم تطبيق تأمين تجاري لا يراعي الجوانب الاجتماعية ولم يصمم في أساسه لأن يطبق على المواطن.

ثانيا: محور عقد التأمين ومنافعه
1. كان الأولى أثناء المفاوضات مع شركات التأمين اعتبار أن العقد لا يغطي- حقيقة - عديدا من الخدمات الصحية التخصصية؛ إما لعدم توافرها في المستشفيات الخاصة كالأورام أو غيرها وإما لمحدوديتها. فالمعلمون سيظلون يحصلون على هذه الخدمات عبر المستشفيات الحكومية وليست الخاصة. فالعقد المبرم لم يراعِ أن شركات التأمين لا تغطي الخدمات التخصصية المكلفة جدا إما لمحدوديتها وإما لعدم توافرها. هذه الحقيقة لو تم اعتبارها لتم تخفيض قيمة بوليصة التأمين على المعلمين بشكل كبير.
2. عدد المنتسبين لوزارة التعليم عال جدا. والقاعدة التأمينية تخبرنا أنه كلما زاد عدد المؤمّنين قلت تكلفة بوليصة التأمين. كما أن طبيعة عمل المعلمين محببة لشركات التأمين لكون قطاع التعليم ليس من القطاعات التي تحتوي على مخاطر عالية.
كان الأولى أن يتم التفاوض بعد ضم الجهات الأخرى التي تنوي الوزارة ضمها كمراحل أخرى كمنسوبي الجامعات وغيرهم؛ لأن العدد في هذه الحالة سيكون أكبر بكثير، ما سيخفض التكاليف بصورة أكبر بكثير من الأسعار الحالية. لذا أعتقد أنه كان خطأ استراتيجيا أن المفاوضات اقتصرت على شريحة من منسوبي التعليم بدلا من أن تكون على قطاع التعليم بشكل عام.
3. كان الأولى أن يكون توقيع العقد مع تحالف من شركات التأمين بدلا من شركة واحدة، قد لا تكون قادرة على تقديم الخدمات بالنوعية والجودة المطلوبتين في ظل محدودية إمكاناتها. فحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عام 2015، فإن الشركة التي وقعت معها الوزارة شركة ترتيبها التاسع من حيث حصتها السوقية وتستحوذ فقط على 1.1 في المائة من سوق التأمين الصحي. كما أن سوق التأمين لم تنضج في ظل عدم وجود هيئة مستقلة تتولى إدارة قطاع التأمين. لذا كان الأولى أن ينظر لهذا العقد، ويتم التعامل معه على أساس مختلف يضمن لمنسوبي التعليم الحصول على الخدمة التي تليق بهم.
4. أعتقد أنه خطأ استراتيجي أن يقتصر التفاوض مع شركات التأمين على الشرائح المحببة لشركات التأمين دون اعتبار للشرائح التي لا ترغب فيها شركات التأمين خصوصا كبار السن والمتقاعدين. التعامل مع هذه الشريحة كمرحلة أخرى خطأ استراتيجي سيصعب على الوزارة إمكانية الحصول على عرض مناسب لها.
السؤال الأخير ولعله الأهم كيف ستحمي وزارة التعليم منسوبيها من ارتفاع أقساط التأمين الصحي المتوقعة مستقبلا؟ ومن سيتحمل ارتفاع التكلفة مستقبلا؟ فواقع أسعار بوليصة التأمين الصحي في ارتفاع منذ بداية تطبيق الضمان الصحي التعاوني لعدم وجود نظام يحمي من هذا الارتفاع. كما أن الأدبيات العلمية والتجارب الدولية تخبرنا بأن هذا النوع من التأمين يصعب التحكم في أسعاره.
لذا يبقى السؤال الأهم: هل هناك خطوات ستتخذها الوزارة لحماية المعلمين صحيا وماليا؟ الإجابة قد لا تكون بيد وزارة التعليم؛ لأن التحكم في تكلفة التأمين يتطلب إعادة وضع التنظيمات التي يطبق عليها نظام الضمان الصحي التعاوني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي