أسعار المنازل .. والتجربة العالمية

أثبتت التجربة السعودية الحديثة صعوبة تحليل وفهم سوق العقار عامة واقتصاديات المنازل خصوصا لأسباب معقدة نأتي عليها لاحقا. في هذا الصدد اطلعت حديثا على دراسة أعدها ثلاثة اقتصاديين ألمان حول أسعار المنازل في الفترة من 1870 إلى 2012. من منطلق التجربة البشرية والاستفادة من تجارب الدول الأكثر تقدما وتوثيقا خاصة في قطاع بهذه الأهمية اقتصاديا وبشريا رأيت أن أعرض خلاصة للدراسة لعلها تفيد صناع القرار والعامة. تتعامل الدراسة مع 14 بلدا كلها أوروبية عدا أمريكا و كندا واليابان وأستراليا. على الرغم من الصعوبات النظرية والعملية في القياس إلا أنها جاءت على درجة عالية من الموضوعية والتوثيق. ارتفعت أسعار المنازل من 1900 إلى 2012 في هذه الدول مجتمعة بنسبة أكثر بقليل من 1 في المائة قياسا على القيمة الفعلية (الأسعار الاسمية ناقص نسبة التضخم)، بينما متوسط النمو في الدخل القومي الإجمالي بلغ 1.8 في المائة في الفترة نفسها، أي أن الأسعار تجاوزت نسبة التضخم ولكن نسبة النمو في دخل الفرد لم تجار هذا النمو في أسعار المنازل.
هناك اختلافات بين الدول واختلافات في البلد الواحد ولكن التوجه العام في المدى البعيد متشابه. فمثلا في أمريكا ارتفعت الأسعار بنسبة 1.8 في المائة في المتوسط حتى الحرب العالمية الأولى، بينما لم تتغير الأسعار تقريبا بين الحربين. بعد الحرب العالمية الثانية عاودت الأسعار الارتفاع ولكنها سرعان ما استقرت حتى التسعينيات حيث شهدت ارتفاعا كبيرا ما لبث أن عاد للتصحيح على أثر الأزمة العالمية في 2007.
تخلص الدراسة إلى أن 80 في المائة من أسباب ارتفاع أسعار المنازل بعد الحرب العالمية الثانية كان بسبب ارتفاع أسعار الأراضي. أسعار الأراضي كانت أيضا السبب الرئيس في استقرار أسعار المنازل حتى الحرب العالمية الثانية حيث كانت ثورة المواصلات، خاصة القطارات سببا مباشرا للوصول إلى عرض أكثر للأراضي و بالتالي نزلت أسعارها. بعد الحرب لم تسجل تكلفة المواصلات نزولا مؤثرا وازدادت التكاليف التنظيمية والنظامية للتخطيط العمراني وأيضا زاد الدخل الأمر الذي رفع أسعار الأراضي. الملاحظة الأخرى ذات العلاقة أنه مع اختلاف الأسعار بين الريف والمدن إلا أن الأسعار ارتفعت بالمستوى نفسه.
لم تتحدث الدراسة عن تجربة الدول النامية. في المملكة لا تزال تكلفة الأراضي تشكل نسبة عالية من تكلفة اقتناء المنزل مقارنة بالدول المتطورة. لعل هناك دروسا يستفيد منها صناع القرار لتصحيح تجربة المملكة. فمثلا هناك حاجة إلى التفكير في العقار بطريقة تكاملية النظام والهياكل والسوق (إجمالا Eco- system) خاصة في مسائل القياس كالمؤشرات المهمة لتوثيق المقارنة والقيمة المضافة والدقة في التقييم والتسعير، فهناك تكاليف منظورة مثل تكلفة البناء والمواد وهناك تكاليف غير منظورة مثل الجودة وتكاليف الأنظمة ومتغيرات التمويل.
تجربتنا مختلفة على أكثر من صعيد؛ تجربتنا تشكلها طريقة التوزيع الأولى، والتردد في تطبيق الزكاة والرسوم، وارتفاع الدخل المؤثر في فترة قصيرة في عمر التاريخ، وأخيرا عدم الحماس للتخطيط العمراني. مجمل هذه الأسباب جعل الأراضي مرتفعة التكاليف (في تشابه سطحي مع تجربة الدول المتقدمة) ولكنها كنسبة من تكلفة المنازل أعلى منها في الدول المتقدمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي