هل تحتاج سوق إيجار العقار إلى شركة حكومية لتنظيمها؟
العلاقة بين المؤجر والمستأجر علاقة قديمة جدا، قد تكون بقدم الحضارة الإنسانية، عندما عرف الإنسان ملكية السكن والعقارات، هذه العلاقة تزداد تعقيدا مع مرور الزمن وتعقد الحضارة والعلاقات المتشابكة، خاصة بعد نشأة الشخصية المعنوية قانونيا والاعتراف بها وبملكيتها. في المملكة كانت مسألة الإيجار والعلاقات بين المستأجر والمؤجر تتم بشكل روتيني وفي مكاتب عقارية غير منظمة، وكان – ولا يزال - العقد شريعة المتعاقدين على أساس ما نظمته الشريعة الإسلامية. ولكن منذ تم إنشاء وزارة الإسكان أخذت على عاتقها تنظيم هذه المسألة في المملكة، وحصر عملية التعاقد، ومنح تصاريح لمن يحق له ممارسة عمل الوساطة في هذا الشأن، وضبط العقود وتقنينها، وذلك لحماية جميع الأطراف ذات العلاقة. وعلى الرغم من إقرار برنامج «إيجار» في كانون الثاني (يناير) من العام الماضي إلا أن تسجيل الوسطاء العقاريين سيبدأ مطلع شباط (فبراير) المقبل، حيث إن وزارة الإسكان منحت الوسطاء العقاريين فرصة لتصحيح أوضاعهم وإكمال الاشتراطات الخاصة بـ"إيجار".
الإشراف على عقود الإيجار وتنظيمها سيكون مسألة جديدة على السوق العقارية في المملكة، وقد أعلنت الوزارة أن يتم تحميل المؤجرين شروطا لم تشهدها السوق من قبل مثل تحميلهم أن تكون البنايات ذات اشتراطات معينة، يتصدرها عدم جواز تأجير العقار لغير الغرض الذي أنشئ من أجله، وأن يكون العقار محل عقد الإيجار صالحا للغرض الذي أجّر من أجله من حيث عدم احتوائه على عيوب تتعلق بالهيكل الإنشائي أو التشطيبات بما في ذلك التجهيزات الكهربائية أو الصحية وما في حكمهما، ما لم يتفق طرفا العقد على خلاف ذلك خطيّا. وهذا إضافة إلى عدد آخر من الاشتراطات التي سيكون تفعليها محل نقاش طويل في المستقبل، فهذه سوق ضخمة وتدار بمليارات الريالات وتسهم بقوة في الناتج المحلي. ولهذا فقد أعلنت وزارة الإسكان إنشاء شركة وطنية خاصة لهذا الغرض تتبع وزارة الإسكان.
والحقيقة أن هذا هو التوجه الصحيح لضبط المسألة ككل، فالمسألة تحتاج إلى مرونة القطاع الخاص وكفاءته في التشغيل، فالعقود بحاجة إلى ضبط، ومراقبة تنفيذ العقود تحتاج إلى عمل أكثر شدة، كما أن المبالغ التي تتقاضاها مكاتب العقار كبيرة مقارنة بحجم العمل الذي يتم من قبلهم، والمستأجرون في ظل غياب مؤسسة راعية للعقود يتعرضون لكثير من الظلم بسبب تركيب كثير من الأجهزة والأدوات السيئة الصنع في المساكن المستأجرة ومن ثم تحميل المستأجر إصلاحها بنوعية ذات جودة أفضل وعدم خصم أي مبالغ من الإيجار نتيجة هذه الإصلاحات، كل هذا يعد ظلما، بينما مكاتب العقار تتقاضى رسوم العقد والتجديد دون أن تقدم خدمات صريحة للطرفين سوى جمع المال من هذا وإيداعه هناك. لهذا فإن وجود شركة متخصصة ذات مرجعية حكومية، بمعنى ألا تكون لها حقوق ملكية خاصة سيعزز من العمل وتنفيذ العقود وحماية جميع الأطراف، ولن تكون لها مصالح في السوق، ما يعزز من استقلالها وشفافيتها.
إنشاء الشركة الوطنية لتنظيم الإيجار تجربة تستحق الدعم، فالسوق تعاني فجوة شديدة في الرقابة والتنظيم، وهناك كثير من القضايا العالقة بسبب التأجير الظالم، كما أن الأسعار خارج الرقابة تماما، والعقود لا تفيد عند التقاضي، لهذا فإن تجرية الشركة ستكون ثرية لأن السوق تحتاج إليها فعلا.