Author

الاستثمار في «قطاع» المستقبل

|
كاتب اقتصادي [email protected]

أينما توجد الفرص الاستثمارية المجزية ذات العوائد المرتفعة والآمنة والمستدامة، فإنها تمثل في الواقع أهدافا لمن يسعى إلى التطوير الحقيقي (لا الوهمي) لاستثماراته. بعض القطاعات لم تعد لها آفاق حقيقية لأسباب منها ما يختص بالتطور الطبيعي للحراك التنموي الشامل، ومنها ما هو جديد، وآخر متجدد. وآفاق هذا الأخير واسعة، يعترف حتى المختصون فيه بأنهم أنفسهم لا يعرفون الحدود التي يمكن أن يقف عندها. ومن هنا يمكن فهم التوجه الاستثماري السعودي الكبير نحو قطاع التكنولوجيا بكل فروعه، ولا سيما تقنية المعلومات التي باتت منذ سنوات ليست قصيرة، تمثل حجر الزاوية ليس للتقدم فحسب، بل لعوائد استثمارية كبيرة، باتت مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى، وأصبحت تمثل المحور الرئيس لـ "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها.
وجاء التأكيد واضحا من صندوق الاستثمارات العامة بأنه "لا سقف لحجم استثماراتنا في التقنية". فذهنية التحول الاقتصادي في المملكة، تحاكي المستقبل بكل استحقاقاته وتطوراته. وكيف لا؟ و "الرؤية" تستهدف الغد، كما تختص بالحاضر. والاستراتيجية التي اعتمدتها تستند بصورة أساسية إلى أدوات متطورة، في وقت لم تعد فيه الأدوات التقليدية المعروفة ذات قيمة حقيقية. وعلى هذا الأساس يأتي التنوع الاقتصادي من كل الجهات. وكيف يكون تنوعا إذا لم تكن جهاته متعددة؟! جهات قابلة للنمو وفق حراك متسارع على الساحة العالمية، والأهم جهات تستوعب المتغيرات بكل عناصرها. وهنا يكمن الفارق بين استثمارات تقليدية، وأخرى تحمل معها تجددها على مدار الساعة، وتفتح آفاقا بعد أخرى، وتستجلب بجودة عالية، عوائد مرتفعة آمنة و"متوالدة".
المخططات السعودية الجديدة في مجال الاستثمار التكنولوجي هائلة بالقياس إلى الحراك الاقتصادي العام في المملكة. خصوصا، أن الخطوة الأولى الكبيرة تستهدف استثمار صندوق الاستثمارات العامة 45 مليار دولار في مجموعة "رؤية سوفت بنك"، ما يسمح للمجموعة بتحقيق هدفها بجمع 100 مليار دولار. وهذا يعني أن المملكة ستمتلك حصة في "رؤية سوفت" تصل إلى 45 في المائة، إلى جانب (طبعا) الاستحواذ على 5 في المائة من شركة "أوبر" الشهير بقيمة تصل إلى 3.5 مليار دولار، ناهيك عن امتلاك "الاستثمارات العامة" حصة 50 في المائة من منصة "نون" المستقلة للتجارة الإلكترونية، وهي أول منصة من هذا النوع في الشرق الأوسط. وإذا ما أضفنا امتلاك "الاستثمارات العامة" قطاعات تقنية محلية عديدة، إضافة إلى امتلاك حصة 70 في المائة من شركة الاتصالات السعودية STC، فإننا أمام استثمارات كبيرة عالمية ومحلية. استثمارات واعدة بكل المقاييس.
التوجه السعودي اللافت، دفع صناديق سيادية أخرى للتخطيط للدخول في استثمارات ضمن نطاق قطاع التكنولوجيا بكل فروعه وفرصه، بل إن شركة "أبل" أكبر شركة تكنولوجيا في العالم، قررت أخيرا الدخول بحصة إلى "رؤية سوفت بنك" بمليار دولار. وهذه لفتة ذات دلالات كبيرة، لأن الشركة الأمريكية المذكورة هي نفسها رائدة في هذا المجال، ما يعزز الجانب المعنوي لهذا المشروع التقني الكبير. يأتي ذلك، في الوقت الذي تعمل فيه المملكة على رفع قيمة صندوق الاستثمارات العامة من 600 مليار ريال في الوقت الراهن إلى سبعة تريليونات ريال بحلول عام 2030. وهذا الموعد له أيضا مدلول لا يخطئه أحد. إنه الموعد الأقصى لتنفيذ "رؤية المملكة 2030"، بعد أن تمر بسلسلة من التحولات الهادفة إلى صياغة أخرى جديدة للاقتصاد الوطني بكل عناصره وخصائصه ومعطياته.
وإذا كانت مساهمة السعودية في "رؤية سوفت بنك" تمثل انطلاقة كبيرة لها على صعيد الاستثمار التقني المتنوع، فهي في الواقع خطوة نحو مزيد من الاستثمارات المشابهة سواء المحلية أو تلك المتوافرة على الساحة العالمية. لقد بات من المسلمات، أن الذي يتخلف عن هذا الركب الاستثماري التقني الواسع، سيظل يراوح مكانه، دون أن نشير بالطبع إلى أنه لن يحقق مكاسب تساعده على مواجهة الاستحقاقات التي تحملها الفترة المقبلة. والتقنية صارت جزءا أصيلا من كل شيء تقريبا، من طلب سيارة تاكسي، إلى الإعداد لرحلة نحو كوكب المريخ. وقبل أيام (على سبيل المثال)، أكدت مؤسسة البحوث "ريسرش آند ماركت" في دراسة معمقة لها، أن حجم سوق التعليم الذكي بلغ أكثر من 193 مليار دولار العام الماضي، وسيصل إلى أكثر من 586 مليار دولار بحلول عام 2021.
مرة أخرى، ليس هناك حدود لهذا القطاع الواسع المتسارع المتجدد. وميزة التجدد هي التي تكفل له مستقبلا مشرقا، ما يعني أنه خال من المطبات. وهذا يصب في صلب المخططات التنموية السعودية التي تستهدف العقود المقبلة وليس العام الآتي. و"رؤية المملكة 2030" تكتسب أصلا بعدا متطورا للغاية، توفر لها الاستثمارات التقنية الكبيرة أدوات متناغمة دافعة إلى الأمام. ومن هنا يمكن فهم تأكيدات القائمين على "صندوق الاستثمارات العامة"، أن لا حدود لمثل هذه الاستثمارات، وأن الفرص في القطاع التقني تبقى هدفا للاستثمارات السعودية بشكل عام. ومع الإصرار الكبير والمنهجية عالية الجودة، من السهل رؤية العوائد المرجوة لهذا النهج الواسع.

 

إنشرها