الأبعاد السكانية في «رؤية 2030»

هناك تأثير متبادل بين التنمية والسكان، بل تلازم لا ينفك أبدا، حيث تؤثر المتغيرات التنموية في المؤشرات السكانية وتتأثر بها، ما يؤكد قوة العلاقة المتشابكة بين السكان من جهة، والخطط التنموية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتخذها الدولة من جهة أخرى. وبناء عليه، لا يمكن أن نتوقع نجاح خطط التنمية دون معرفة بالوضع السكاني المتغير، وفهم لأبعاده المتعددة، علاوة على ضرورة إشراك السكان الذين يمثلون هدف التنمية في فعاليات التنمية.
وهذا يقودنا إلى مفهوم "السياسة السكانية" التي تعني السياسات أو الإجراءات الظاهرة والمعلنة أو الضمنية وغير المعلنة التي تتخذها الحكومات للتأثير في المتغيرات السكانية من أجل تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والصحية المهمة. ولا تقتصر السياسة السكانية - كما يعتقد البعض - على تحديد النسل أو تنظيمه أو تشجيعه فقط؛ بل تشمل توزيع السكان واتجاهات الهجرة وخصائص السكان وسمات القوى العاملة وغيرها، إلى جانب معدلات النمو ومكوناته "الخصوبة والوفيات والهجرة". وإلى جانب ذلك هناك سياسات غير مباشرة تتخذها الحكومات ليست بالضرورة للتأثير في المتغيرات السكانية ولكن بهدف التأثير في متغيرات غير سكانية "اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية"، ولكنها بطريقة غير مباشرة تؤثر في المتغيرات السكانية، فتسهم في رفع معدلات الخصوبة أو خفضها أو تؤدي إلى زيادة الإصابة بالأمراض ومن ثم زيادة الوفيات دون قصد أو معرفة بتأثيرها السلبي. فعلى سبيل المثال، أي سياسة تتخذها الحكومة لزيادة إجازة الأمومة من أجل زيادة مشاركة المرأة في قوة العمل، ستؤدي إلى رفع مستويات الإنجاب.
لذلك فإلى جانب هدف "رؤية 2030" المعلن بإحداث تغيير في متغيرات ذات طبيعة سكانية، مثل: العمر المتوقع عند الميلاد، ونسبة مشاركة المرأة في قوة العمل، وكذلك خفض معدلات البطالة، إلى جانب تحسين بيئة المدن، فإنها لا محالة ستحدث تأثيرات كبيرة في متغيرات ومسائل سكانية كثيرة، بعضها قد يكون معروفا لدى صناع الرؤية مسبقا، في حين أن بعضها الآخر قد لا يخطر على بال.
وتجدر الإشارة إلى أن "رؤية المملكة 2030" تشتمل على خمسة أهداف ذات طبيعة سكانية، هي: (1) رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22 في المائة إلى 30 في المائة عام 2030، (2) تخفيض البطالة من 12 في المائة إلى 7 في المائة، (3) رفع نسبة تملّك المساكن بنسبة 5 في المائة عما هي عليه الآن بحلول عام 2020 (4) زيادة العمر المتوقع عند الميلاد من 74 إلى 80 عاما، (5) تصنيف ثلاث مدن بين أفضل 100 مدينة في العالم.
هذه الأهداف ستحدث تغييرات كبيرة في المجتمع السعودي، لا يمكن تناولها بالتفصيل في هذه المقالة القصيرة، ولكن سأشير إلى بعضها باختصار. أولا: زيادة مشاركة المرأة في قوة العمل وخفض معدلات تعطلها سيؤديان إلى تسارع في انخفاض معدلات الخصوبة، ما لم تكن هناك إجراءات تقلل من التأثير. ثانيا، تحسين السكن وبيئة المدن سيؤديان إلى إحداث تحسن كبير في الصحة العامة، ما يسهم في خفض التأثيرات السلبية لكثير من الأمراض المزمنة، ومن ثم يؤدي إلى حياة أفضل وتكاليف أقل في علاج بعض الأمراض. ثالثا، لا شك أن تحقيق هذه الأهداف سيؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة، ما سينعكس إيجابا على تعليم الأسر وصحة أفرادها. رابعا، ستؤدي هذه الأهداف إلى انكماش حجم الأسرة السعودية. خامسا، التغير الديموغرافي في المملكة عموما سيؤدي إلى ارتفاع نسبة الشيخوخة، ما يتطلب بذل مزيد لرعاية كبار السن من النواحي الصحية والاجتماعية.
ختاما سأعود إلى هذا الموضوع بتفاصيل أكثر في مقالة مقبلة، ولكن لا يسعني الآن إلا أن أدعو الله أن يوفق وطننا لتحقيق مزيد من الرفاهية والازدهار في ظل الأمن والاستقرار تحت قيادة سلمان الحزم والعزم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي