عُمان تخيّب ظنون المشككين

قال الكثيرون إن عمان تسير في الاتجاه الخليجي المعاكس، وأن سياساتها غير متوافقة مع الإجماع الخليجي، وغير ذلك مما ردده وكرره الأعداء، خاصة أولئك القابعين على الضفة الشرقية للخليج العربي ومن يحازبهم في صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت والبحرين.
وأثناء الجولة التاريخية الأخيرة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله - لأشقائه في الإمارات وقطر والبحرين والكويت، خرج علينا أحدهم من الذين اعتادوا الصيد في الماء العكر ليقول إن استثناء عمان من جولة العاهل السعودي هو أكبر دليل على وجود جفاء بين الرياض ومسقط وقيادتيهما وخلافات عميقة حول قضايا الساعة، لكن الحقيقة أن خادم الحرمين لم يكن يريد أن يشق على أخيه السلطان قابوس العائد للتو من رحلة علاج طويلة.
وبحسب لقاءاتي بيوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في عمان، الذي هو صديق قبل أن يكون وزيرا، فإن السلطنة في سياساتها الخارجية، لا تحبذ الاستعجال المفضي للندم لاحقا، وتفضل بدلا من ذلك التروي والانتظار إلى حين اكتمال الصورة والاطلاع على جميع تفاصيلها ودقائقها.
ومما أخبرني به الوزير ابن علوي خلال آخر لقاء لنا في البحرين في العام الماضي على هامش مؤتمر الحوار العربي - الهندي أن السلطنة لا توافق، في الأزمات السياسية، على سد كل الأبواب والنوافذ بإحكام أمام الطرف الآخر، وتحبذ دوما ترك الباب مواربا أو إحداث كوة فيه، علّ شعاعا من الأمل ينفذ منه فتسوى الأمور دون تكلفة عالية.
هذا كان ديدن عمان في معظم الأزمات التي مرت على المنطقة منذ اتفاقية "كامب ديفيد" التي رفضت فيها مسقط مقاطعة القاهرة، لتبرهن السياسة العمانية لاحقا أنها كانت صائبة، وذلك حينما أعادت كل الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع مصر.
وفي حرب الخليج الثانية، شاركت عمان شقيقاتها الخليجيات وقوات التحالف في تحرير الكويت من المعتدي العراقي، لكنها في الوقت نفسه حافظت على قنوات اتصال مع نظام صدام حسين، علها تنجح في نزع فتيل التوتر قبل ساعة الصفر.
وقبل ذلك بسنوات طويلة حينما كانت السلطنة مهددة في أمنها من قبل النظام الماركسي في اليمن الجنوبي، أقدمت مسقط على عقد اتفاقيات أمنية وحمائية خاصة مع واشنطن، وتعرضت بسببها إلى لوم شقيقتها الكويت، لتثبت الأيام بعد عقدين صحة الخطوة العمانية وذلك حينما اضطرت الكويت نفسها إلى الاستعانة بالولايات المتحدة في عملية تحرير أراضيها في عام 1990.
اليوم تعود عمان لتؤكد مجددا أنها لن تتأخر في الانضمام لشقيقاتها في أي عمل جماعي يستهدف خير المنطقة والأمتين العربية والإسلامية. صحيح أنها لم تعلن انضمامها إلى التحاف الإسلامي العسكري بقيادة السعودية وقت الإعلان عنه في كانون الأول (ديسمبر) 2015، لكن الصحيح هو أنها انتظرت بما يكفي لدراسة الموضوع من جميع جوانبه - وفق الأسلوب العماني التقليدي - فلما تيقنت من الأهداف النبيلة والغايات الصائبة للتحرك السعودي التي اختصرها الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بقوله في كانون الأول (ديسمبر) 2015: إن التحالف الإسلامي العسكري الجديد سينسق الجهود لمحاربة الإرهاب في العراق وسورية وليبيا وأفغانستان، وأن تشكيل التحالف يأتي حرصا من العالم الإسلامي للتصدي للإرهاب، ومحاربته أمنيا وعسكريا وفكريا وإعلاميا، ومشاركة العالم بأسره في عملية اجتثاثه.. قررت الانضمام إلى التحالف من خلال رسالة خطية حملها بدر بن سعود البوسعيدي الوزير المسؤول عن شؤون الدفاع في السلطنة إلى الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع.
وهكذا خيبت مسقط ظنون المشككين والحاقدين وأثبتت أنها لا تغرد خارج السرب حينما يتعلق الأمر بمصير دول مجلس التعاون الخليجي التي تعاني أخطار الإرهاب العابر للحدود، الذي يجب القضاء عليه في مهده قبل أن ينجح في الانتشار. وما التحالف الإسلامي المعلن عنه إلا أداة لمواجهة هذا الداء ومنع انتشاره.

أستاذ العلاقات الدولية المتخصص
في الشأن الآسيوي من البحرين

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي