المشراق

الطيران والمطارات في السعودية .. تاريخ وردود أفعال

الطيران والمطارات في السعودية .. تاريخ وردود أفعال

الملك عبد العزيز ينزل من الطائرة عام 1367هـ.

الطيران والمطارات في السعودية .. تاريخ وردود أفعال

بعض أبناء الملك عبد العزيز والموظفين معه في الطائرة التي أهداها له روزفلت.

الطيران والمطارات في السعودية .. تاريخ وردود أفعال

الطيران والمطارات في السعودية .. تاريخ وردود أفعال

بعثة الطيران السعودية إلى إيطاليا.

.. "أما إذا حاولت الحديث مع أحد الركاب، الذين يجلسون أمامك متقابلين بصفين وجها لوجه، فعليك أن ترفع عقيرتك، وكأنك في سوق الحراج"! هذا ما ذكره فهد العلي العريفي، عندما وصف رحلته الأولى بالطائرة في عام 1951، حيث أثنى على طريقة مقاعد الطائرات قديما، أما الشيخ محمد بن ناصر العبودي فقدم وصفا مختلفا عن أول رحلة له عبر الجو، فتحدث قائلا "لم يكن يسافر على الطائرة الملكية إلا نحن فضيلة الشيخ عبدالله بن حميد ومرافقوه.. فتحركت الطائرة بعدما علت أنفاسها حتى أصبح لها فحيح كفحيح المصدور وبسرعة فائقة أصبحت الأرض تبعد عن الطائرة أو الطائرة تبعد عن الأرض"، بينما عبد الله بن خميس الأديب النجدي قدم وصفا إبداعيا مختلفا عن الآخرين لتجربته الأولى بالطيران فقال "أصبحنا نعيش في شعلة ملتهبة من البروق والصواعق تتجاوب فوق رؤوسنا، وكلما انطلقت صاعقة هوت بنا الطائرة حتى قلنا إنها القاضية، لكنها ترتفع لتسد أحشاؤنا حناجرنا، وإذا مالت إلى اليمين أو الشمال قلنا إنها انكفأت بنا، وهكذا نحن حتى تحول الركاب من كراسيهم إلى بطن الطائرة ويرددون ويستشهدون..". #2# أحببت أن أبدأ حديثي بتجارب شخصية لركوب الطائرات لأول مرة، حيث إن محمد القشعمي حفظ هذه الروايات الشفوية لذكريات الطيران في كتابه الموسوم "الطيران في السعودية - البدايات"، ذي القطع الصغيرة والصفحات القليلة، الذي صدر في عام 2013، مبتدئا كتابه بمقدمة مختصرة عن بداية الطيران في الحجاز، ونقل بعدها الروايات الشفوية المحفوظة في ذاكرة كبار السن من الأدباء والذين شهدوا وهج الجديد المكتشف، فسجل ذكرياتهم عند مشاهدة وركوب أول طائرة في حياتهم، بعدها أسهب في الحديث عن مبتكر الطائرات الحديثة ومن يعود الفضل إليه في اكتشاف نظريات الطيران في التاريخ الإسلامي، إذ كان عباس بن فرناس سيد الحديث لعدد من الصفحات، ثم ختمها بمجموعة صور لطائرات قديمة وشخصيات رائدة في المجال. اندهش عامة الناس من رؤية الطائرة، حيث كان يخرج الجميع إلى أعلى المنازل لمشاهدة هذا الشيء العجيب، وقد أورد عدد من المقالات في صحف متعددة مجموعة من القصص الطريفة، واصفة تجارب عدد من العامة في أول ركوب لهم للطائرة، واعتراض عدد منهم على قلة كميات الوجبات الخفيفة المقدمة، وطمع آخرين فيما يوضع في دورة مياه الطائرة من عطور ومنظفات ومناديل معطرة، أو حتى أخذ سترات النجاة، والمجلات والجرائد وكأنها فرصة لن تتكرر، ولا بد أن أغتنمها، بجانب انبهارهم بجمال المضيفات الأجنبيات على متن الطائرة، فكانت من أجمل الفرص للتأمل والحديث معهن. إضافة إلى ما قد يصيب الركاب من الخوف والرعب ووجع المعدة وألم الرأس وانسداد الأذن، فالأحاديث الشفوية مع كبار السن تؤرخ الكثير من هذه التجارب الجميلة لأول ركوب طائرة. #3# لذلك نقول إن أفراد المجتمع السعودي عرفوا الطائرة وشاهدوها لأول مرة على أرض السعودية في الرابع من تشرين الأول (أكتوبر) 1945، حينما هبطت طائرة من نوع دوجلاس دي سي3 داكوتا في "عفيف" المهداة من الرئيس الأمريكي "روزفلت" للمؤسس الراحل الملك عبدالعزيز، بعد اجتماعهم التاريخي في قناة السويس في 14 شباط (فبراير) 1945، فقد استعرض أول أمير لعفيف الشيخ صالح بن عبدالله بن حماد ذكرياته عن هبوط طائرة الملك عبدالعزيز عام 1364هـ، قائلا "أتت الطائرة لتقل الملك عبدالعزيز من عفيف إلى الحوية، وعندما جاءت الطائرة كان الملك عبدالعزيز في عفيف، وضح فيها الملك أنها أول طائرة يستقلها في حياته"، مضيفا أن "الملك عبدالعزيز قال له: هل عندك عمال يعملون مهبطا للطائرة، فقلت: نعم"، موضحا أنهم أحضروا بعضا من أهالي عفيف وعمال الإمارة، وأسسوا مهبطا بطريقة بدائية، حيث تمت تسوية الأرض وتنظيفها من الشجر والحجارة، إذ إن السعودية بدأت بخط الطيران قبل تأسيس المطارات، حيث لم تكن هناك مطارات بل إن المسافرين يجتمعون في سهل ممهد لتهبط عليه الطائرة، بعد أن يتم تحديد المكان معهم للاجتماع. وحدث هذا الأمر نفسه عندما هبطت طائرة الملك سعود في مرات في عام 1374هـ في سبخة من الأرض حيث تم وضع علامات من الصخور في الأرض قبل هبوطها وتم تلوينها بلون أبيض لتمييزها ورؤيتها من قبل كابتن الطائرة، وهبطت الطائرة في وقت العصر بسلام. للشعر الشعبي والأدباء مع الطيران قصص لا تنتهي، حيث مزج الشعراء الشعبيون قصائدهم بكل ما هو جديد لوصف مشاعرهم فوق الأرض أو بين الأرض والسماء، فكتب الشاعر يسلم بن علي قصيدته على متن طائرة أقلعت به من جدة إلى اليمن، التي استغرقت تسع ساعات، وتم نشر قصيدته كاملة في صحيفة البلاد، وتقول القصيدة: في سلم الطائرة بكيت غصبا بكيت على محبين قلبي عندما ودعوني وشفت محبوب قلبي بين نخلة وبيت يناظر الطائرة بيغي يحرك شجوني فعلا أنا عندما شفته بعيني بكيت وقلت بالله يأهل الطائرة نزلوني بشوف محبوب قلبي عادني ما انتهيت وان كنت غلطان يأهل الطائرة فهموني ياه في أه كم باقول يا ليت يا ليت عسى محبين قلبي عادهم يذكروني خاف أنهم يعشقوا غيري وأنا ما دريتأحسن لي الموت لو هذا حصل فاقبروني وسجل عبد القدوس صفحات في مجلة "المنهل" عام 1947 عنوان "مشاعر وأحاسيس في الطائرة .. من جدة إلى الرياض"، للحديث عن هذا الحدث الجلل لصعوده الطائرة لأول مرة، مقدما وصفا ظاهريا لتفاصيل تصميم الطائرة، وأجواء السماء، ورصد تفاصيل الصعود والخروج، وعرض طريقة الخدمات بطريقة أدبية رائعة. بعثات الطيران المدني في عهد الملك عبدالعزيز كما هو معروف أن البعثات دليل على يقظة الفكر وعلو الهمة في التغير والتطوير الفكري لمواكبة الجديد، والنهوض بالبلاد إلى مصاف الدول المتقدمة، البعثات العلمية لم تكن حديثة عهد بل إنها بدأت منذ عهد الملك عبدالعزيز، وتنوعت التخصصات والبعثات بحسب احتياج الدولة في تأهيل أفرادها لخدمة الدوائر الحكومية والارتقاء بالخدمات الموجهة للمجتمع، فبدأت البعثات منذ عام 1927 وأخذت في الازدياد والتنوع حتى عام 1948 وقد ارتفع عدد الطلاب المبتعثين في شتى التخصصات إلى 400 طالب، حيث أرسلت بعثة الطيران المدني إلى إيطاليا مكونة من أمين شاكر، وحصل على منصب ضابط اتصال بين الجيش السعودي والمصري، وأيضا صدقة طرابزوني، وحمزة طربزوني، عبد القادر بصراوي، صالح عالم، وسعيد بخش، وضياء الحكيم، وكامل حلمي، وعبد الله مندلي، وصالح الخطيب، فدرس الجميع في أحد مطارات إيطاليا عن فنون الطيران، أجزاء الطيارات، وألحق الجزء الآخر من المبتعثين للدراسة في معهد الطيران المصري، ثم ألحقوا ببعثة إلى بريطانيا فيما بعد. الجدير بالذكر هنا يعد عبدالله مندلي أول طيار سعودي يطير دوليا من مصر إلى جدة. #4# عبد السلام سرحان أول طيار سعودي، وهو الطيار عبد السلام أحمد بن سرحان، من مواليد 1320م مكة المكرمة، التحق بالمدرسة العسكرية ثم بمدرسة الطيران، عرف والده بأنه أحد مدرسي العلوم الدينية في مدرسة الفلاح، وقد كان ابنه عبدالسلام ضمن قادة الطائرة المشاركين في حروب ضم الحجاز تحت حكم الشريف ضد الملك عبد العزيز، وقد عرضت صحيفة القبلة معلومات عن رحلته، وبعد انتصار الملك استعان به وعينه كخبير في الطيران المدني، وقال عنه المؤرخ حسني بدرون في صحيفة المدينة في 3/3/2012 يوم الجمعة، عن مساهمته في تحديد مواقع إنشاء المطارات وفي تطوير الطيران المدني وتقاعد عن العمل في عام 1380هـ، بعد أن صنف كخبير في هذا المجال، وأسهم في تأسيس اللبنة الأولى مع جموع الرجال. في الختام يعرف أن تقدم المواصلات في كل زمان ومكان يعتبر من ضمن الخدمات الجليلة التي تقدمها الدولة لأفراد المجتمع أجمع، للملمة شمل أفرادها باعتبارها وسيلة تواصل تعمل على ترابط المجتمع والحفاظ على أمنه، إذ هي وسيلة لتوطين المواطن فعن طريقها تزدهر جميع المجالات، فكان هذا عرض مبسط لبدايات الطيران ونقطة في بحر تاريخ الطيران السعودي، وأتمنى أن تتم دراسة هذا الموضوع بشكل موسع، فهو لم يخدم بالشكل الجلي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق