Author

أكبر الشركات.. مميزات والتزامات

|
ماذا يعني أن نطالع قائمة فيها أكبر 100 شركة على مستوى المملكة؟ في رأيي، لا تكمن فحوى التفضيل والمقارنات هنا في حضور أو عدم حضور جهة ما في هذه القائمة، ولا يعني التميز في الحجم أو بعض المؤشرات في حد ذاته شيئا يستحق الذكر والتعلم. استشعار التميز بمجرد الحضور دون استدراك لمعاني هذا التميز هو سوء فهم وفرصة ضائعة مكلفة. في نظري، الهدف من هذه المقارنة يقع في ثلاثة محاور مهمة. الأول، التعرف على قائمة المميزات والسمات "النوعية" التي يتحلى بها أصحاب المراكز الجيدة (أي المائة شركة الأولى على أقل تقدير، مقابل الآلاف التي لم تحظ بهذا التقدم بعد). والثاني، كيف تصل المنشآت الأخرى إلى هذه المراكز المتقدمة، أي السياسات والأساليب التي مكنتها من ذلك. والثالث، ماذا يجب عليها أن تفعل بعد أن وصلت؟ باختصار، ماذا تعني هذه القوة؟ وما أسباب هذه القوة؟ وكيف يمكن ـــ أو يجب - أن تستثمر؟ وجود الشركة ضمن هذه القائمة يعني أنها قد استحوذت على أكثر من شكل من ملامح القوة الاقتصادية في مجالها. ربما تكون قد حازت حصة مؤثرة في سوقها، أو فهما يمكنها من التعامل معه بطريقة مربحة، أو حضورا وانتشارا يضمن على الأقل استقرارا بيعيا لفترة مقبلة معقولة. وهذا النوع من الامتيازات يشكل عناصر القوة التي يمكن إعادة استثمارها بأشكال أخرى مختلفة، ما يجعل الشركات الضخمة أول من يستطيع دخول الأسواق الجديدة بطرق مؤثرة، وتتمكن من ضخ الاستثمارات في الإبداع والابتكار وربما تجنب خطا خاسرا بسهولة ودون أي ضجيج يذكر. ويسيّل حجم هذه الشركات لعاب الموردين الذي يبحثون عن رضاها، وربما تأثرت بها بعض الجهات الإشرافية والتنظيمية وحرصت على أخذ رأيها قبل إصدار التشريعات الجديدة. وبالطبع يشعر المجتمع باستقرار هذه المنشآت فتصبح مستهدفة وظيفيا ومعيشيا. تعود هذه المميزات عليها بمزيد من النمو لأن قوة الشركة تمكنها من تجربة منتجاتها بأكثر من طريقة وتتنبأ بسلوك عميلها بشكل أفضل وبالطبع يأتيها أفضل الموظفين ولا تخسر في البحث عنهم كغيرها من الشركات. لم تصل هذه الشركات إلى قائمة التميز بالصدفة. حتى الجهات التي دُعمت حكوميا أثناء مسيرتها التأسيسية تعتبر بطريقة أو بأخرى وليدة المجتمع ونشأت عن حاجة ماسة له، دعمتها الحكومة في وقت من الأوقات وتعاونت معها معظم فئات المجتمع ونقلتها إلى ما هي عليه اليوم بعد أن قامت إداراتها بعمل سديد وملائم. أما بقية الشركات فهي ممن حافظ على تركيزها لفترة كافية سمحت لها بالنمو حتى وصلت إلى هذا الحجم. يعتقد البعض أن التفرد الكمي مبيعا أو انتشارا يصنع شبكة حماية من السقوط أو يمنح إدارات هذه الشركات إكسيرا للبقاء ولكنNo one is too big to fail؛ كانت هذه مغالطة كبيرة أثبتتها الأزمات المالية والظروف الاقتصادية التي لا ترحم أحدا، فلا يبقى بمنأى عن الفشل إلا الذي وفق باستراتيجية وقاية تحميه من المخاطر تماما عند اللحظة المناسبة، حتى أفضل الإدارات كفاءة لا تملك القدرة التامة على التنبؤ المصيب. يجمع مختصو الإدارة أسباب القوة في المحافظة على مزيج من الأفكار والقدرات البشرية وغير البشرية ويتواءم بشكل جيد مع الظروف الاقتصادية المحيطة، وفي نظري هذا نفسه الذي نطلق عليه "نموذج العمل"، النموذج الذي يفهم ويتعلم ويتواصل مع محيطه بشكل فعال وذكي. تتوزع هذه الشركات مقاعد السائق والملاح وصاحب الشأن الكبير في الكيانات الاقتصادية التي تقود المجتمع، وهذا يوسع الحديث عن التزاماتها أمام المجتمع. في رأيي، في مفاهيم المسؤولية الاجتماعية الحالية ــــ أو على الأقل مفاهيمها التطبيقية ــــ الكثير من الضيق. أعتقد أن الالتزام أمام "المجتمع" رديف للقوة، كلما زادت قوة الشركة زاد التزاماتها أمام مجتمعها. وهذا لا ينحصر على الأعمال الخيرية البحتة أو التدريب المجتمعي أو خلافه، وإنما في حضورها مثلا كمثال رائد يستحق التعلم والتكرار، واعترافها تحديدا بهذا الحضور الذي تتحقق به الفائدة. عندما تتردد الشركة الكبرى في مشاركة بعض تجاربها أو ما تعلمته هي تستأثر لنفسها بما منحه لها المجتمع، وهذه أول خطوات السقوط. نعم الخط الفاصل بين التنافسية وبين مشاركة التجارب خط دقيق ولا يجرؤ كل تنفيذي على الاقتراب منه، ولكن هذا ما يصنع الفارق. بالطبع لا تقف الالتزامات عند مشاركة التجارب، فالتجربة والظروف تحدد أنواعا مختلفة من الالتزامات كل مرة، والشركة التي تملك نموذج العمل المرن، الذكي، هي الشركة نفسها التي تتمكن من معرفة أولوياتها بشكل جيد، وتتمكن بالتالي من التقدم على الأقل بمسافة جيدة عن بقية المتأخرين. متخصص في المحاسبة والإدارة
إنشرها