2017 عام التغيير .. الجميع تحت سيادة سوق الصرف الأجنبي

2017 عام التغيير .. الجميع تحت سيادة سوق الصرف الأجنبي
لا يزال الرنمينبي مرتبطا بالدولار، لذلك الارتفاع الحاد في قيمة العملة الأمريكية منذ الانتخابات الرئاسية في الثامن من الشهر الماضي يفرض مشاكل حقيقية على الصين.

تغيير النظام بات قريبا. فيما يمكن أن يكون أهم تحول منذ أجيال، ستغير الولايات المتحدة نظامها السياسي الشهر المقبل. في الوقت نفسه، ربما يكون هناك تغيير آخر قد حصل في النظام الأسبوع الماضي. كما هو متوقع عالميا، أعلن "الاحتياطي الفيدرالي" عن الارتفاع الثاني فقط في أسعار الفائدة الرسمية منذ عام 2006. لم يكن هذا الأمر مفاجئا، لكن هناك أمرين مختلفين.
أولهما، كان الرسائل من جانيت ييلين. رئيسة "الاحتياطي الفيدرالي" التي هي في العادة مفرطة في دبلوماسيتها، كانت تبدو هذه المرة أكثر تفاؤلا بشأن الاقتصاد "الأمر الذي لا ترغب السوق في سماعه من مسؤول في البنك المركزي على اعتبار أنه يُنذر برفع أسعار الفائدة"، كما أوضحت استعداد "الاحتياطي الفيدرالي" للعمل على استباق تسارع الاقتصاد. وأنذرت بأن هناك ثلاث حالات رفع للأسعار في طور الإعداد للعام المقبل، أكثر مما كان متوقعا.
ثانيا، أن السوق آمنت بما قالته بالفعل. والدليل على ذلك هو الارتفاع الحاد في عائدات السندات الذي تلا ذلك، مع وصول عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات الآن إلى أكثر من 2.6 في المائة للمرة الأولى منذ أكثر من عامين.
كذلك ارتفعت سوق العقود الآجلة لأسعار الفائدة الرسمية، حيث يراهن المستثمرون على المسار المستقبلي للأسعار. عشية يوم الانتخابات كانت نسبة فرصة حدوث ثلاثة ارتفاعات في الأسعار العام المقبل أقل من 5 في المائة. وبحلول يوم الأربعاء، قبل حديث ييلين، ارتفعت النسبة إلى نحو 30 في المائة، والآن تتجاوز 45 في المائة تقريبا.
هذا يعتبر تغيرا. لسنوات، كان "الاحتياطي الفيدرالي" يخبر السوق بأن ارتفاعات الفائدة باتت قريبة، وكانت السوق تراهن ضد حدوث ذلك. فازت السوق، عاما تلو آخر. الآن، فجأة، هناك إيمان بأن "الاحتياطي الفيدرالي" سينشط في قرارات رفع أسعار الفائدة.
مهمة "الاحتياطي الفيدرالي" هي سحب طبق الحلوى تماما في اللحظة التي يبدأ فيها الحفل. وليس هناك أي خطأ من حيث المبدأ في اتخاذ ييلين قرارا بتذكير الناس بأنه إذا كان هناك تعزيز يلوح في الأفق من المالية العامة في ظل رئاسة دونالد ترمب - كما يبدو من المؤكد - حينها سيكون "الاحتياطي الفيدرالي" مستعدا لرفع الفائدة، إذا عاد التضخم مرة أخرى نتيجة لذلك.
فقط عندما فاز ترمب بدأ الناس يعتقدون أن الحفل بات قريبا. والآن يجب عليهم أن يبدأوا في تصديق أن "الاحتياطي الفيدرالي" سيعود إلى دوره القديم، المتمثل في ضبط الحفل وحفظ النظام. ربما تنشأ لدينا مرحلة "جيدة لـ "مين ستريت" وسيئة لـ "وول ستريت"، يحفز خلالها ترمب الاقتصاد، ويفرض "الاحتياطي الفيدرالي" سقفا على أسعار الأصول من خلال رفع أسعار الفائدة. ربما يكون هذا تماما ما صوت لمصلحته كثيرون.
إذا قرر "الاحتياطي الفيدرالي" بالفعل أن يكون أكثر نشاطا في إجراءاته، من الذي سيقيد يديه؟ من ناحية، سيكون المسؤول هو الرئاسة والمجلس التشريعي. يجب أن يتم ترشيح محافظي "الاحتياطي الفيدرالي" واعتمادهم من قبل الكونجرس. لن تنتهي فترة رئاسة ييلين حتى مطلع عام 2018 لكن قبل ذلك الحين يستطيع ترمب ملء عدة شواغر حولها بأشخاص تكون طريقة تفكيرهم مختلفة عنها.
الأمر الأكثر جذرية، إذا كان ترمب يرغب في تغيير هيكل وولاية "الاحتياطي الفيدرالي" فسيكون الطريق مفتوحا أمامه لمحاولة ذلك. وهذا من شأنه جلب خطر حدوث اختلال في السوق. لكن من الصعب أن نرى كيف يمكن لذلك أن يؤثر في مسار أسعار الفائدة خلال العام المقبل.
ثمة عامل آخر أكثر أهمية يقيد "الاحتياطي الفيدرالي" هو الدولار. الدولار الأقوى يشجع الواردات ولا يشجع الصادرات، الأمر المعاكس تماما لرغبات الرئيس. فهذا يضغط بشكل تلقائي على التضخم. كما يؤثر في أسعار الأسهم، لأنه يقلل من قيمة الإيرادات والأرباح في الخارج التي يتم حسابها بالدولار. الأهم من ذلك كله، يحظى الدولار القوي بتاريخ يتمثل في التسبب في حدوث أزمات في العالم الناشئ. ويعمل ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية على جذب الأموال إلى الولايات المتحدة، التي تعمل بدورها على دفع الدولار إلى مستويات أعلى. وتفعل ذلك على وجه الخصوص عندما يكون لا يزال لدى اثنين من الاقتصادات الكبيرة الأخرى، منطقة اليورو واليابان، مصارف مركزية تتدخل في السوق وتحافظ على الأسعار عند مستوى الصفر أو أقل.
وتعد هذه أخبارا جيدة بالنسبة إلى منطقة اليورو، وربما رائعة بالنسبة إلى اليابان، حيث يتطلب "برنامج آبي الاقتصادي" وجود ين ضعيف لإنعاش الاقتصاد. وإذا اعتقد المستثمرون أن محور ترمب - ييلين جاد فيما يتعلق بالانتعاش ورفع الفائدة، ينبغي لهم شراء الأسهم اليابانية.
لكن الأمور بالنسبة إلى البلدان التي لديها سندات كبيرة مقومة بالدولار يمكن أن تكون قاسية. الأسواق الناشئة ليست مثقلة بالديون كما كانت خلال فترة الأزمات التي وقعت قبل 20 عاما، لكنها لا تزال عرضة لهرب رؤوس الأموال. فترات القلق التي سادت في العام الماضي بسبب عملة الصين كانت كافية لإرغام "الاحتياطي الفيدرالي" على أن يكف عن رفع الفائدة في وقت سابق. ويمكن للدولار أيضا أن يرغمه على الكف عن ذلك.
بالنسبة إلى الصين نفسها، لا تزال عملتها مرتبطة بالدولار، لذلك الارتفاع الحاد في قيمته منذ الانتخابات يفرض عليها مشكلات حقيقية. فقيمة عملتها آخذة في الانخفاض بخطوات صغيرة جدا مقابل العملة الأمريكية، لكن ربما تكون هناك حاجة إلى مزيد من الانخفاض. وفي حين يمكن لهذا أن يكرر تماما السلوك الذي هاجمه المرشح ترمب خلال حملته الانتخابية عدة مرات، وقد يشكل مشكلة خطيرة.
في عام 1985، تتوج التوسع الأمريكي الكبير في عهد رونالد ريجان بوجود دولار قوي فوق الحد بحيث اجتمع فريق من المصارف المركزية للتوصل إلى اتفاق لإضعافه - ما يسمى باتفاق بلازا.
لكن باستثناء التوصل إلى اتفاق ثان يشبه اتفاق بلازا، فإن أهم نتيجة في أسبوع عجيب آخر هي أن هناك نظاما معينا لم يتغير بعد. على الرغم من السخط العالمي بسبب العولمة، لا يزال الجميع خاضعا لسيادة وهيمنة سوق الصرف الأجنبية.

الأكثر قراءة