ثقافة وفنون

«الفلسفة» .. أداة لتعلم التاريخ وكتابة المستقبل

«الفلسفة» .. أداة لتعلم التاريخ وكتابة المستقبل

"يمكن القول مجازا إن الفكر السائد في مجتمع معين هو فلسفة ذلك المجتمع". لأن الفلسفة أساسا هي فكر ومنهج للتعامل مع مختلف القضايا الإنسانية. وهنا لا بد من القول وفقا لقراءة الباحث نبيل عودة إن مهمة الفلسفة ليس الحفاظ على واقع يعاني مشاكل التقدم والتطور والرقي في حياة الإنسان.. بل تنوير الفكر السائد وانفتاحه على الحضارات والتفاعل معها. لذلك قال الأديب والفيلسوف الألماني يوهان غوته من القرن الـ18 بأن "الذي لا يعرف أن يتعلم دروس الثلاثة آلاف سنة الأخيرة يبقى في العتمة" ولا بد من التأكيد أن الأداة لنتعلم دروس الثلاثة آلاف سنة الأخيرة وما يليها هي الفلسفة. يمكن اعتبار الفيلسوف الإغريقي سقراط، بأنه أول من أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، وذلك بسبب تحويله الفلسفة من التفكير المجرّد بالكون وكل ما يتعلق به من ظواهر وتخيلات وخرافات، إلى عمليّة البحث في الذات الإنسانيّة، وإعطاء الأجوبة الواقعية للظواهر المختلفة، وهذا الأمر أدى إلى تغيير كثير من المعالم الفلسفيّة، عن طريق تحويل النقاش إلى ماهية وطبيعة الإنسان وتكوينه والطبيعة وظواهرها بالاعتماد على التفكير المنطقي وليس العجائبي. وبحسب عودة فلا توجد اليوم فلسفة عربية ذات مناهج وجذور، أو ضمن نهج يعتمد المنطق وليس الأوهام والقصص الخرافية. يوجد فلاسفة عرب لكنهم يتعاملون مع تيارات فلسفية غير قائمة في أوطانهم.. المجتمعات العربية هي خارج الفكر الفلسفي، حتى ما عرف تاريخيا بفلسفة عربية كان نقلا عن فلسفات إغريقية، عبر ترجمتها والتأثر بها وتطوير لجوانب عديدة منها، مثلا "جمهورية أفلاطون – المدينة الفاضلة" كما تخيلها الفيلسوف المشهور "أفلاطون" هي مدينة تمنى أن يحكمها الفلاسفة .. لحكمتهم التي ستجعل كل شيء في هذه المدينة نموذجيا وراقيا، وبناءً عليه ستكون مدينة فاضلة توفر لسكانها وزائريها شروط حياة نموذجية، وقد تأثر بذلك الفيلسوف المسلم الفارابي (تركستاني الأصل)، الذي اشتهر بإتقان العلوم الحكمية وكان له باع طويل في صناعة الطب وله عدد كبير من المؤلفات في مجالات واسعة من الموسيقى إلى العلوم إلى علم الاجتماع والمنطق والسياسة والتصنيف وشرح تعاليم أفلاطون وأرسطو واشتهر بكتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة"، متأثرا من جمهورية أفلاطون. هذا هو المنهج الطبيعي لكل مجتمع في تعامله مع الفلسفة ولا يتردد الباحث بالقول إن النشاط الفلسفي يخدم المجتمعات بمختلف عقائدها وتنوعها الإثني والديني. لكن معضلة المجتمعات العربية هو رفض مغادرة الماضي والتمسك به لدرجة الخروج من التاريخ عامة، رغم أن الفكر الماضوي لفظ كل طاقاته (ويمكن القول أنفاسه) عن إحداث أي تغيير أو إحداث انطلاقة حضارية معاصرة. وهنا يعرج الباحث على الفلسفة البراغماتية الأمريكية بشكل أساسي، وهي فلسفة سادت المجتمع الأمريكي وأثرت على مجمل الحياة الأمريكية، كانت وراء تحول أمريكا إلى قوة عظمى علميا، اقتصاديا وعسكريا. ودراسة هذه الفلسفة ونشاط فلاسفتها يعتبر مدرسة لكل مجتمع يحث الخطى على التطور، كما لا ينفي أهمية استيعاب مجمل ما ظهر من فلسفات عبر التاريخ وكيفية الاستفادة منها في تطوير مجتمعاتنا للحاق بالحضارة الإنسانية التي تتجاوزنا. البراغماتية (الفلسفة العملية) هي مذهب فلسفي سياسي كذلك يعد أن "نجاح العمل هو المعيار الوحيد للحقيقة". البراغماتية تعتمد على الدمج بين النظرية والتطبيق. نشأ هذا التيار الفلسفي في الولايات المتحدة في أواخر القرن الـ18، من أبرز فلاسفة البراغماتية الفيلسوف الأمريكي ويليام جيمس (1842 - 1910) وكان إلى جانب الفلسفة من رواد علم النفس الحديث، علم النفس التربوي وعلم النفس الديني والتصوف، وله قول شهير يمكن اعتباره إطلالة على فلسفته البراغماتية: "إن الاكتشاف الأعظم الذي شهده جيلي، الذي يقارن بالثورة الحديثة في الطب كثورة البنسلين هو معرفة البشر أن بمقدورهم تغيير حياتهم عبر تغيير مواقفهم الذهنية". إذن المواقف الذهنية هي التي تحدد قدرة البشر على تغيير حياتهم. وهنا أزمة الفكر السائد في العالم العربي. من هنا أيضا مصدر رؤية وقناعة الباحث عودة أن أهم ما يفتقده العالم العربي هو المقدرة الذهنية على إقرار ضرورة التغيير الثوري في حياتهم.. أي أن الأزمة العربية بدأت من الفكر قبل أن تتحول إلى حالة مستعصية. من فلاسفة البراغماتية ( الفلسفة العملية) البارزين نقرأ أسماء عديدة منهم الفيلسوف وعالم نفس أمريكي جون ديوي (1859 – 1952) الذي يعد من أبرز فلاسفة البراغماتية ومن أوائل المؤسسين لها، وهو من أطال عمر هذه الفلسفة واستطاع أن يستخدم بلياقة كلمتين قريبتين من المفاهيم التربوية للشعب الأمريكي هما "العلم والديمقراطية". بعض المثقفين العرب أكدوا بمصداقية أن ظهور فلسفة عربية أصيلة جديدة لن تتحقق إلا إذا نشأت كجزء من الفكر الفلسفي الإنساني المعاصر، وما نشهده اليوم هو اتجاه معاكس بشكل مطلق. إن الانفتاح على الفكر الإنساني وعلى الثراء الفلسفي للفكر الإنساني لا يعني التخلي عن الأصالة الفكرية الإنسانية العربية، بل بالاندماج وتبادل الإثراء بدل ظاهرة الذم بغباء وانغلاق ورفض يضاعف ابتعاد العالم العربي عن تيار الحضارة العالمية، وبالتالي تعميق الانقطاع عن مسار التاريخ المعاصر.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون