أخطاء في طريق الفساد

عبَر الطريق السريع ولاحظ أنه مضاء بأعمدة ضخمة على جانبي الطريق بامتداد أكثر من 200 كيلومتر، ثم بحث عن دورة مياه نظيفة ولم يجد، فقال لرفيقه: "عندما كنت في أمريكا، لم تكن الطرق السريعة مضاءة ولكن كانت خدمات الطرق متكاملة، هذا أكيد فساد". وعندما وصل لمراجعة الدائرة الحكومية لم يجد الموظف ولا معاملته، سأل ولم يصل إلى معلومة، قالوا له: "جرب تعال بكرة"، فرد في نفسه: "هذا فساد". وفي أثناء انتظاره البائس قلب التغريدات الساخطة، فرد على معظمها بنفس الكلمة: "فساد!".
نحن نحمل مفهوم الفساد أكثر مما يحتمل. نقول عن كثير من التصرفات التي لا نقبلها أو لا نستسيغها: "هذا فساد". وإذا افترضنا موضوعية المشاهدة، أي أن ما نراه من أحداث هي فعلا ما يحصل ولا يوجد تشويه أو ضعف في زاوية النظر التي نستخدمها، لن نجد أن الرؤية الجيدة تضمن الحكم الجيد. نشاهد اختفاء موظف أو عدم وجوده على مكتبه وندعوه: فساد، تسيب، إهمال، سوء تنسيق، إجازة في غير وقتها، أو ربما إجازة اضطرارية أو تأدية للمطلوب في مقر آخر. كلها احتمالات واردة حتى لو كان الغياب مؤكدا وحقيقيا.
ليس من مسؤولية أحد من الناس "غير المكلفين" بمتابعة وتقييم أداء الموظف القيام بإطلاق الأحكام والجزم بها. يظل من حق المستفيد من الخدمة تقييم حالتها وإبداء رأيه، ومن حق المهتمين بأداء الخدمات العامة ــ بل من واجبهم ــ تقديم النقد البناء ونصائح التصحيح والتطوير. ولكن لكل دور آدابا وحدودا يجب الالتزام بها. ينطبق هذا الأمر عند التعامل مع كل مقدمي الخدمات العامة وعلى الجهات الخاصة كذلك.
لا يمكن إسقاط أي تعريف منضبط للفساد على كل الشبهات حتى لو اعتراها الخلل، ولا أحد يتوقع أن يتمكن الجميع من الحكم الدقيق على جميع الأحداث بالقدر نفسه من الصحة. الحكم الدقيق يتطلب الكشف عن ملابسات محددة لا تتاح قانونا إلا لمن يخولهم النظام بذلك. ارتفاع الوعي مطلب ولكنه لن يحول ــ ويجب ألا يحول ــ الناس إلى حكام وقضاة. المطلوب هو أن يرتفع مستوى الوعي إلى الحد الذي يتمكن فيه الناس من التفرقة بين الممارسات السليمة والخاطئة بموجب قيم مشتركة وعادلة، وأن يقبلوا أو يرفضوا هذه السلوكيات والممارسات قبل التسرع بالتصنيف الدقيق أو بخلفيتها ونية من يقوم بها، أي محاربتها بناء على المبدأ ثم الضرر الذي يحصل تبعا لها. من الجيد أن يسهم الوعي في كشف المخفي من هذه الممارسات ولكن ليس التحقيق دون ضوابط. من الإيجابي أن يحصل لفت الانتباه بطريقة مؤثرة ولكن دون محاكمات عشوائية وفوضوية.
هناك كثير من التفاصيل التي تمكن من إجراء الحكم المناسب، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال الحصول عليها بمشاهدة عابرة أو من خلال مقطع فيديو أو مستند مصور. لا مانع من أن نطالب بتفاصيل الاختلاس المالي في شركة مساهمة أو ندعو للتحقيق في حالة سطو على الممتلكات العامة. يمكن إثبات وجود مؤشرات الفساد أو علامات التسيب أو تأكيد حالة الفوضى وغياب التنسيق وشبهة استغلال أصحاب المصالح والنفوذ، ولكننا لا يمكن أن نقول ببساطة إن فلانا فاسد أو هذه المشاهدة تخفي فسادا صريحا. هناك كم هائل من الأفعال غير المقبولة التي لا تزال أقل درجة من الفساد وتتطلب أسلوبا مختلفا في المعالجة. الإهمال على سبيل المثال يأتي على درجات منها ما يحتاج إلى تقويم ومنها ما يستحق التجريم، واستغلال السلطة سلوك طبيعي تصعب محاربته حتى في أقوى البيئات الانضباطية، ولكن يمكن تفادي بعض آثاره.
تسليط الضوء على ما يثير الشبهات أمر إيجابي ومهم، والتفاعلات التي فتحت أبوابها وسائل التواصل الاجتماعي أداة اسثنائية للقيام بذلك. ولكن ينبغى توخي الحذر حفظا للحقوق وتعزيزا للمكتسبات، سواء ما ارتبط بالسرية أو الخصوصية أو حتى ما يتعلق بنقص المعلومات الذي يواجهه أكثر الأطراف وصولا إليها. فعليا، يقع كل سلوك مرفوض في طريق الفساد، ولكن هذا لا يعني أنه هو الفساد بعينه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي