الشرق الأوسط «الجديد» .. ندرة ماء وتخمة حروب

الشرق الأوسط «الجديد» .. ندرة ماء وتخمة حروب
في أوقات شح المياه، يكون اللاجئون أول من يشعر بالمعاناة.

يؤكد تقرير الأمم المتحدة لتنمية المياه في العالم ما يعرفه كثيرون بالفعل: يواجه هذه السنة مئات الآلاف من الناس في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا - وخاصة في الجزائر، الأردن، ليبيا، المغرب، فلسطين، السودان، سورية، واليمن - أسوأ نقص في المياه منذ عقود. وهذا هو آخر شيء تحتاج إليه المنطقة وهي تسعى لتحسين النمو الاقتصادي ولتنويع مصادر الطاقة.
ووفقا لورقة أعدها محمد الناجي الباحث المغربي المختص ورئيس مركز الدراسات البيئي فقد أسهمت عوامل متعددة في الوضع الراهن، بما في ذلك تغير المناخ، والتصحر، وتلوث المياه، وسوء استخدام الموارد الطبيعية. وتفاقم عديد من هذه التحديات بسبب عدم كفاية المعلومات، وضعف التعليم والاتصالات، الأمر الذي عزز انعدام الوعي - والالتزام الضعيف - بأهمية الممارسات الصديقة للبيئة. أضف إلى ذلك عدم ملاءمة استراتيجيات الحد من مخاطر الكوارث وإدارتها من قبل الحكومات - التي في كثير منه الأحيان تعاني صراعات وأزمات أخرى – حيث صار الوضع مزريا. تشهد الجزائر، على سبيل المثال، أخطر موجة جفاف منذ خمسة عقود. ونظرا لكون الزراعة في البلاد تعتمد بشكل كبير على مياه الأمطار، أضف إلى ذلك البنية التحتية الهشة، فإن محاصيل الحبوب انخفضت بنسبة 40 في المائة هذا العام. وعلى الرغم من ثروتها النفطية والغازية الهائلة، فقد فشلت الجزائر في ضمان ما يكفي من الموارد المائية بأسعار معقولة لسكانها، ناهيك عن فرص العمل الضئيلة. ونتيجة لذلك، تعرف البلاد حاليا احتجاجات شعبية.
أما ليبيا فتواجه موجة كبيرة من عدم الاستقرار، الناجمة عن سنوات من الصراع الداخلي. وأدى انقطاع الكهرباء الناتج عن ندرة الوقود إلى خلل في توزيع المياه في البلاد، الشيء الذي دفع الأمم المتحدة لشراء نحو خمسة ملايين لتر من المياه من الدول المجاورة في الصيف الماضي تلبية لاحتياجات مواطني ليبيا.
ويعاني الأردن نقصا حادا في المياه، خاصة في المدن الكبرى مثل عمان. وحسب التقديرات فإن الأردن لديه احتياطيات كافية من المياه لدعم مليوني شخص. غير أن عدد سكانه يتجاوز ستة ملايين، دون احتساب نحو 1.5 مليون لاجئ سوري يقيمون حاليا في البلاد.
في أوقات شح المياه، يكون اللاجئون أول من يشعر بالمعاناة. وقد خُفضت إمدادات المياه في عديد من مخيمات اللاجئين في كل من الأردن ولبنان، إلى الحد الأدنى - وهو القرار الذي يؤثر في الملايين من الناس الذين يعانون بالفعل الارتفاع المفرط لدرجات الحرارة. في مخيم ركبان للاجئين على الحدود المشتركة بين الأردن وسورية والعراق، يتوصل أكثر من 500 85 من السكان بالكاد بخمسة لترات يوميا للفرد لأغراض الطهي والشرب والغسيل.
الوضع في اليمن قاتم أيضا، حيث يرزح تحت وطأة العنف الطائفي والحرب الأهلية، ويفتقر إلى حكومة فاعلة لإدارة الموارد المائية. ومن المحتمل أن تجف العاصمة صنعاء في عشر سنوات. و لا يحصل نصف سكان اليمن على المياه النظيفة، وهو ما يؤدي إلى محاصيل ضعيفة وتفشي الأمراض. وتقدر الأمم المتحدة أن 000 14 طفل دون سن الخامسة يموتون من سوء التغذية والإسهال كل عام. وفي الوقت نفسه، يحفر المزارعون آبارا أعمق من أي وقت مضى من أجل الحصول على المياه - يصل عمق بعض الآبار إلى 500 متر - من دون أي تنظيم أو مراقبة.
قد يكون التدخل الحكومي الفعال بعيد المنال في اليمن، ولكن هذا ممكن - بل وضروري - في باقي بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بداية، يجب على الحكومات الوطنية أن تعمل على تحديث الممارسات الزراعية، بما في ذلك تدريب المزارعين وإدخال أدوات الري الأكثر كفاءة. كما أن تقليل اعتماد المزارعين على مياه الأمطار أمر ضروري.
بعض الدول - منها المغرب والأردن - اتخذت بالفعل بعض الخطوات المهمة في هذا الاتجاه. فقد قامت الحكومة المغربية على وجه الخصوص بجهود كبيرة لتطوير مواردها المائية، بما في ذلك بناء السدود.
ولكن لا يزال الطريق طويلا لبلوغ الائتمان المائي ـ يضيف ناجي ـ وتبقى كفاءة توزيع المياه في المغرب منخفضة - 60 في المائة منها فقط مخصصة لأغراض الري. وبالنسبة لبلد شهد أكثر من 20 حالة جفاف منذ 35 عاما، فهذه مشكلة خطيرة. والخبر السار أن البنك الإفريقي للتنمية وافق أخيرا على قرض المغرب أكثر من 88 مليون يورو (98700000 دولار) لتمويل مشروع يهدف إلى تحسين نوعية توزيع المياه.
و يشير هذا الوضع إلى نقطة حاسمة: لا توجد دولة واحدة تستطيع أن تحل المشكلة وحدها. هناك حاجة ماسة إلى التعاون الإقليمي والدولي. ويجب على بلدان المنطقة دعم بعضها البعض في تنفيذ برامج على غرار ما تم القيام به من تجارب في أماكن أخرى.
وعلاوة على ذلك، ينبغي تخصيص استثمارات إضافية - ممولة من مصادر محلية ودولية - لإصلاح البنية التحتية القديمة للمياه، فضلا عن مشاريع جديدة، مثل بناء السدود وخزانات المياه المُصَممة بشكل جيد. كما يجب بذل جهود قصوى لحماية موارد المياه الحالية.
وهنا، للناس دور مهم يقومون به. أولا ينبغي على المواطنين ليس فقط استخدام المياه بعقلانية أكثر، ولكن أيضا الوعي بكيفية الحماية من مخاطر الكوارث المرتبطة بالمناخ.
وبالنسبة للقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، فإن رفع مستوى إدارة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمثل فرصة كبيرة للاستثمار في توفير خدمات المياه والتكنولوجيا ذات الصلة. ويقدر حجم السوق الإقليمية لتعزيز المرافق الصحية المحلية والخدمات المتعلقة بالمياه بمبلغ قيمته أكثر من 200 مليار دولار. وستكون المشاريع التي تهدف إلى تلبية هذا الطلب بمثابة استثمار ذكي.
ولكن ينبغي على الحكومات اتخاذ الخطوات الأولى. إذا لم تتخذ إجراءات وقائية للحفاظ على احتياطي المياه وتوحيد العرض، سوف تستمر معاناة السكان الأكثر عزلة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي بسهولة إلى اضطرابات - أو ما هو أسوأ. في الواقع، إذا لم يتم فعل أي شيء لمواجهة التحديات المائية التي تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن تلك التحديات قد تشعل الحروب في المستقبل.
الباحث والأكاديمي محمد ناجي بالتذكير حيال الاجتماع المقبل لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطار بشأن تغير المناخ، الذي سيعقد في المغرب في تشرين الثاني (نوفمبر) ، إذ ينبغي أن يكون الماء في أعلى قائمة جدول الأعمال. وبالنظر إلى أن أكثر من 80 في المائة من المساهمات الوطنية لمكافحة تغير المناخ من قبل دول الجنوب تركز على تحديات شح المياه، فإن العمل المنسق من جانب الحكومات والجهات الفاعلة الدولية لم يعد من الممكن تأجيله.

الأكثر قراءة