تفعيل أدوات قوة الدولة أمام التحديات والأزمات

يعتبر مفهوم أدوات القوة الوطنية، من المواضيع المهمة في الدراسات العابرة للتخصصات، حيث تهتم الدراسات الأمنية والعسكرية وكذلك الاقتصادية بهذا المفهوم، وذلك لطبيعته الممتدة فمن الجغرافيا إلى السياسة يطرح تساؤل مهم وهو متى وكيف تكون الدولة مؤثرة داخليا وخارجيا؟
أصبحت مفاهيم مثل مفهوم حجم الدولة أو عدد سكانها ومساحتها، أو مفهوم السيادة الوطنية، متاحة للشك والنقد في تأثيرها على قوة الدولة الحالية. ودخلت عوامل كثيرة مثل التقنية والمعلوماتية كأدوات ذات تأثير بامتياز في قوة الدولة ومدى تأثيرها.
وتحدثت بعض التعاريف عن قوة الدولة بوصفها أنها القدرة على تحريك عوامل القوة المتاحة لها وتحويلها إلى طاقة فعالة ترفع مستوى المعيشة لمواطنيها. وتؤثر في غيرها من الدول وفي توجيه سلوكها إلى ما يحقق المصلحة القومية للدولة.
ومن الأهمية بمكان تحديد وإدراك مصادر الخطر في معرفة أي أداة من أدوات قوة الدولة، ينبغي تفعيلها على مستوى صناعة القرار أو المستوى النخبوي أو الشعبي.
وقد حاول علماء كثيرون إبراز تلك الأدوات الوطنية، وكيف يمكن تسخيرها في مواجهة الظروف المختلفة من تحديات مستمرة للدولة أو أزمات محدودة ومحكومة بفترة زمنية؟ ونعني بمفهوم الأزمة هنا ليس فقط الجانب السلبي بل فترة زمنية حرجة قد يتمخض منها حدث إيجابي ومفيد للدولة، ولذلك معرفة تلك القوى الوطنية أمر مهم جدا في النظر إليها وتحليلها وتوجيهها والاستفادة القصوى منها.
دأب بعض العلماء أمثال أحمد داود أوغلو على الحديث عن عوامل ثابتة للقوة الوطنية مثل التاريخ والجغرافيا والثقافة والسكان، فتلك العوامل لا يمكن تغييرها فهي تعتبر مثل الأصول الثابتة للدولة، ويمكن الاستفادة منها في تعريف الرؤية المستقبلية للدولة، وكذلك لدور الدولة الإقليمي والعالمي، وذلك انطلاقا من القيم الحاكمة للدولة والثقافة الوطنية.
وتحدث كذلك أوغلو عن القوة المتغيرة مثل القوة التكنولوجية والعسكرية والاقتصادية، وأنه من المهم تعزيزها وتنميتها لتواكب القوى العالمية، واستخدامها كذلك لحل الإشكاليات أو الصراعات، لكنّ هذين العاملين لن يكتملا إلا بوجود عامل آخر، وهو كما أشار إليه يتكون من ثلاثة عناصر أخرى وهي: التخطيط الاستراتيجي والذهنية الاستراتيجية والإرادة السياسية. وبلا شك أن الأخير عامل مهم جدا لدفع قوة الدولة في مجال ما.
ولا توجد دولة تمتلك جميع الأدوات الخاصة بالدولة، لكن القوى تتفاعل مع بعضها بعضا وتدعم بعضها بعضا إذا وجدت رؤية وإرادة حقيقية تريد رفع قوة الدولة، وفوق ذلك نظام واضح ونظام مساءلة وشفافية.
تحدث كذلك أحد العلماء أمثال جوزيف ناي عن القوة الناعمة، وكيف يمكن لتلك القوة التأثير في الدول الأخرى لفعل ما نريده دون إجبارهم وذلك عن طريق الثقافة والإعلام؟ وأن نكون دوما أيقونة يسعى الآخرون للتمثل في كيفية طريقتنا ومعيشتنا عبر الثقافة ومكونات الثقافة، حيث نصبح مثلا أعلى للجميع. ويمكن الحديث عن القيم كمنطلقات لتأثير القوة الناعمة، وعن الدبلوماسية كإحدى الأدوات الفاعلة في القوة السياسية الناعمة للدولة، التي تؤثر في الرأي العام الوطني أو الدولي كميدان للتنافس في مجال تلك القوة.
في وقت تهاجم فيه المملكة كذلك من إيران بشكل علني، من الغريب أنه عند فتح الراديو على موجة "آي إم" نجد أكثر من أربع محطات إذاعية إيرانية، وتتحدث إحداها وربما أكثر باللغة العربية، لا شك أن ذلك يحتاج منا إلى تفاعل مشابه.
نتشرف هذه الأيام باستضافة حجيج بيت الله والقاصدين أداء مناسك الحج، ولا شك أن تلك أداة مهمة من أدوات القوة الوطنية، التي تؤثر في العالم أجمع حيث تستضيف المملكة كل عام، جل جنسيات العالم أجمع ليجتمعوا في وقت واحد وفي مكان واحد، ولا شك أن تلك تعتبر قوة وطنية يجب تعزيزها لتصحيح الصور المغلوطة عن المملكة.
وللمجتمع كذلك أثر مهم في تعزيز قوة الدولة، حيث لا يمكن الحديث عن نظام وطني من الإدارة وتقدم تقني، دون لحمة وطنية حقيقية تعزز ذلك النظام وتعمل على زيادة التوافق الوطني نحو هدف محدد في ظل مساحة من الحريات الأساسية والتنمية الوطنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي