Author

سلوك المستثمرين في العقار

|
وضّح منهج أساسيات الاقتصاد العقاري في جامعة هارفارد أنواع المستثمرين في المجال العقاري، حيث صنفهم إلى ثلاثة أنواع، الأول صاحب النظرة القاصرة Myopic، وهو الذي يعتقد باستمرار الأوضاع الحالية والقريبة الماضية كما هي للأبد، فتراه يعتقد أن نفس مستوى الطلب وزيادة الأسعار ستستمر إلى الأبد، وغالبا ما يعتمد على خلفيته التاريخية قريبة المدى في السوق العقارية ولا يعير اهتماما كبيرا للمتغيرات الحالية. النوع الثاني هو المتكيف Adaptive، وهو الذي يضع في اعتباره المتغيرات الحالية ويحاول الاستفادة والتعلم من أخطائه السابقة، ويستطيع بسهولة أكبر أن يتكيف مع ظروف السوق من ناحية الطلب والأسعار ويغير استراتيجيته بناء عليها. النوع الأخير هو المنطقي أو العقلاني Rational، وهو الذي يتابع المعلومات بشكل مستمر ويسخرها فيما يخدم توجهاته، كما أنه يتميز بوجود خطة واضحة لمواجهة أي تغيرات تطرأ على السوق العقارية في حال حدوثها. عديد من الدراسات التجريبية توصلت إلى أن أغلب المستثمرين والمطورين من ذوي النظرة القاصرة، وهذا لا يعتبر إهانة لهم لكنها طبيعة بشرية تميل إلى استمرار الأمور كما هي وتقاوم التغيير الحاصل وتحاول تجاهله، بينما قليل هم من يتكيفون مباشرة مع التغيرات، أما النوع المنطقي أو العقلاني فلا يكاد يوجد في السوق، وذلك لأنها حالة مثالية تعتمد على معرفة مستقبل السوق بدقة وليس بالتوقعات، وهذا بالطبع غير ممكن. ارتفعت أسعار الأراضي السكنية بشكل غير مسبوق في اليابان خلال الأعوام 1986 حتى 1992 بمتوسط 23 في المائة سنويا ثم انفجرت هذه الفقاعة لتعود الأسعار لما قبل الفقاعة في خلال ثماني سنوات، وكانت وزارة الأراضي والبنية التحتية اليابانية تحرص على استطلاع الرأي العام حول التغير في أسعار الأراضي، حيث أظهرت نتائج الاستطلاع في عام 1994 أي بعد سنتين فقط من انفجار الفقاعة أن 60 في المائة من اليابانيين ما زالوا مقتنعين بأن المتاجرة والمضاربة في الأراضي تعتبر مربحة، في حين أظهرت الاستطلاعات منذ 1998 حتى الآن أن النسبة انخفضت إلى النصف، حيث بقي 30 في المائة فقط من اليابانيين مقتنعين أن تجارة الأراضي تعتبر مربحة، وكذلك في أمريكا وقبل أزمة الرهن العقاري التي ظهرت في 2008، كان الحديث عن وجود فقاعة أو تزايد غير منطقي في أسعار العقارات في عامي 2005 و2006 يعتبر ضربا من الجنون خاصة في "وول ستريت" ذلك الشارع الذي يضم أضخم وأقوى المؤسسات المالية في العالم، وما يمكن أن يستفاد من ذلك هو مدى الإنكار الذي يظهر في سلوك البشر حتى مع وجود الأدلة الواضحة على تغير الأمور والمؤشرات الظاهرة أن هناك أمرا غير منطقي يحصل في السوق، هذا بالطبع كان محل دراسة في السابق ليظهر مجال جديد في أسواق المال والأعمال يحلل السلوك البشري ويشرك مجال علم النفس لتفسير ردات فعل المستثمرين في الأسواق عن طريق دراسة سلوك المتعاملين فيها وهو ما يسمى Behavioural Finance التي ظهرت بشكل واضح في القرن العشرين الميلادي، حيث أوجدت تفسيرات أخرى لتحركات الأسواق إضافة إلى المؤشرات الاقتصادية الكلية والجزئية وبالذات مبدأ العرض والطلب الشهير، وهي تحركات مبنية على العواطف والتراكمات التاريخية والثقافية البعيدة والقريبة المدى التي تؤثر في قرارات المستثمرين خاصة الأفراد، حيث فسر بعضهم بدء الفقاعة بأنه ارتفاع مستوى الإثارة في السوق والحماس غير المنضبط وغير العقلاني لدى الأغلبية، دون مراعاة المؤشرات الاقتصادية، وأسس التحليل السليمة للتأكد من منطقية الأسعار وعدالة القيمة لأصل معين، بينما في حالات انفجار الفقاعة تقود المؤشرات الاقتصادية والتغيرات التنظيمية الأمر في البداية، لكن يكون الانخفاض الشديد نتيجة الذعر الكبير ومحاولة التخلص من الأصل خوفا من خسارة ما تم جنيه من أرباح خلال فترة الارتفاعات الشديدة أو المحافظة على رأس المال كحد أدنى لمن دخل السوق متأخرا، لذلك من الجيد معرفة سلوك وأنواع المستثمرين في السوق وذلك لمحاولة ضبط النفس وعدم الانجراف عاطفيا مع الأحداث والنظر إليها بعقلانية ومنطقية أكبر. الخلاصة، لا شك أنه من الصعب الاقتناع بالتغيير الذي يأتي بعد القناعة لدى البعض لعقود مضت أن الأراضي هي منبع الثروات والأصل في الاستثمار العقاري في السعودية، لكن ما يجب أن يستوعبه أصحاب الأراضي أن التغير والتحول سنة من سنن الكون، والمؤشرات الاقتصادية والتوجهات الرسمية تستهدف ضبط أسعار الأراضي السكنية بالذات وتحاول كبح جماح الاكتناز والمضاربة فيها، لذلك ما حصل خلال العقود السابقة خاصة الفترة 2008 حتى 2014 في الأراضي انتهى، بل أعتقد أننا سنشهد نهاية ثقافة المتاجرة بالأراضي، لترجع الأراضي إلى أصلها كعنصر إنتاج وليس سلعة للمتاجرة، والأولى لمن لديه استثمارات عقارية مرتكزة على المتاجرة في الأراضي أن يراجع استراتيجيته ويعيد هيكلة محفظته العقارية ويتجه إلى التطوير والاستثمار في العقارات المدرة للدخل، حيث يجب أن ترجع الأرض إلى وضعها الطبيعي كجزء من وحدة سكنية أو تجارية قابلة للاستخدام لتكون رافدا اقتصاديا بدلا من كونها عبئا على الاقتصاد والإنتاج.
إنشرها