بعض إشكالات التمويل العقاري

تطرقت المقالة السابقة لمتوسط عدد سنوات دخل الأسر اللازم لشراء منزل، حيث تعتبر معدلات الدخل من أهم العوامل التي تمكن الأسر من شراء المنازل ولكنها ليست العامل الوحيد. وتلعب أسعار المساكن وإيجاراتها، وتكاليف التمويل، والأنظمة والتشريعات العقارية، وسياسات الدعم والضرائب الحكومية أدوارا حيوية لا تقل أهمية عن الدخل. وتتحدد أسعار المساكن بناء على قوى العرض والطلب التي أدت إلى رفع أسعار العقار في معظم دول العالم خلال العقود الماضية، وإن شهدت بعض التقلبات خلال فترات الركود الاقتصادي. وقد عانت بعض دول العالم التي شهدت فقاعات عقارية معضلات اقتصادية بعد انفجار تلك الفقاعات وهو ما تسبب في أزمات مالية قادت إلى تباطؤ اقتصادي مزمن كما حدث في اليابان، بينما تعافت دول مثل الولايات المتحدة من تلك الفقاعات ولكن بتكاليف اقتصادية باهظة. وقد تسببت الفقاعات العقارية في أزمات مالية جاءت نتيجة لتراجع أسعار العقار وفاقمتها سياسات التمويل المفرط المصاحبة للفقاعات العقارية.
تحاول مؤسسات التمويل العقاري في المملكة وأهمها المصارف التجارية التوسع في منح الائتمان العقاري والاستفادة من فائض السيولة المتوافرة لديها التي تجني منها عوائد منخفضة بسبب تدني معدلات الفائدة العالمية. وتشير عروض التمويل العقاري للمصارف التجارية إلى أنها تمنح قروضا عقارية بمعدلات فائدة سنوية تراوح ما بين 5.8 في المائة و 7.2 في المائة. وتدلس معظم المصارف على المقترضين، حيث تذكر وتعلن عن تكاليف منخفضة لقروضها تسمى الأرباح أو نسب التمويل بدلا من معدلات الفائدة. وتقل نسب التمويل عن معدلات الفائدة على القروض وذلك لإيهام المقترضين بأنهم يدفعون معدلات رهن عقاري منخفض. فنسبة التمويل التي تبلغ مثلا 4.25 في المائة تعني دفع معدلات فائدة سنوية تساوي نحو 5.8 في المائة خلال 20 عاما. وهذه الممارسة لا تقتصر على القروض العقارية بل على جميع القروض المصرفية. ولهذا ينبغي على الجهات المختصة ممثلة بمؤسسة النقد العربي السعودي إلزام المصارف بضرورة إبلاغ العملاء بنسب الفائدة السنوية على القروض بجميع أنواعها.
ويمنح عديد من المصارف قروضا عقارية بمعدلات فائدة مرنة - تكون منخفضة ومغرية للعملاء في الوقت الحالي - ولكن تجري مراجعتها كل عدة سنوات وترفع بناء على صيغة معينة، وذلك يولد مخاطر حدوث زيادة كبيرة في أقساط القروض العقارية مستقبلا. ومن المتوقع أن تقود التطورات الاقتصادية الكلية الحالية إلى رفع معدلات الفائدة مع مرور الزمن وهذا يمثل مخاطر كبيرة على المقرضين والمقترضين والنظام المالي بشكل عام. وتقود زيادة معدلات الفائدة بنقطة مئوية واحدة إلى زيادة كبيرة في الأقساط العقارية قد تصل إلى 10 في المائة، أما إذا ارتفعت معدلات الفائدة بثلاث أو أربع نقاط مئوية فقد تعجز نسبة كبيرة من المقترضين عن السداد وذلك قد يتسبب في نشوب أزمة مالية لو توسعت ظاهرة المعدلات المرنة على القروض.
من جهة أخرى تمنح المصارف التجارية قروضا عقارية كبيرة مقارنة بدخول المقترضين، وذلك مقابل استقطاع جزء كبير من رواتبهم. وتشير عروض المصارف إلى أن نسبة أقساط قروضها الشهرية العقارية قد تصل إلى 60 في المائة من رواتب المقترضين، فالأسرة التي يبلغ دخلها عشرة آلاف في الشهر تستطيع الحصول على قرض عقاري يزيد على مليون ريال، ولكن عليها دفع أكثر من ستة آلاف ريال شهريا لمدة ثلاثين عاما. ودفع هذا المبلغ سيخفض من إنفاقها على باقي احتياجاتها وقد يقود إلى بؤسها لفترة طويلة مقابل شراء منزل. وبلغ متوسط دخل الأسر في المملكة نحو 13610 ريالات في الشهر في عام 2013م، وهو ما يعني أن اقتراض معظم الأسر لشراء مسكن يسيء إلى أحوالها المعيشية. ولهذا ينبغي منع المصارف من استقطاع معدلات عالية من الرواتب وخفضه إلى معدلات يمكن التعايش معها. ويرى عديد من المختصين أن قدرة الأسر على تحمل القروض العقارية مشروط بعدم تجاوز أقساطها ربع دخل الأسر، الأمر الذي يستدعي ضرورة خفض نسبة أقساط الرهن العقاري المسموحة إلى معدلات لا تتجاوز ربع الدخل أو 30 في المائة كحد أقصى. فتخصيص معظم دخل الأسر للرهن العقاري فيه إجحاف للأسر المقترضة التي لا يدرك معظمها تأثير الأقساط العقارية المرتفعة على رفاهيتها طويلة الأجل. وعلى الأسر أيضا أن لا تورط نفسها في قروض عقارية تستقطع معظم دخلها كما أن عليها تجنب الاقتراض بمعدلات فائدة متغيرة قد تقود مستقبلا إلى عجزها عن السداد. كما تتحمل مؤسسة النقد العربي السعودي مسؤولية خفض مخاطر الإقراض العقاري على النظام المالي والتحوط ضد مخاطر الأزمات المالية. وختاما فإن أسعار المساكن ومتوسط دخول العائلات ومعدلات الفائدة يحد من قدرة الأسر على ملكية المساكن، ولن تتمكن معظم الأسر وخصوصا منخفضة الدخل من ملكية مساكنها من دون الدعم المباشر من الدولة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي