نظام الهيئة العامة للأوقاف .. تحقيق الاستدامة والعائد للمجتمع

لا شك أن الوقف أحد أهم المجالات التي تحقق التنمية في المجتمع ولذلك جاءت عناية الشريعة الإسلامية به بصورة كبيرة باعتبار أنه أحد أهم مصادر استمرار العمل الصالح للمسلم، حيث ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع منه أو ولد صالح يدعو له"، فالوقف هو إحدى أهم صور الصدقة الجارية، التي يصل أثرها للميت سنوات ما دام أن الوقف يحقق الأثر والنفع للناس، ومن هنا تأتي أهمية العناية بقضايا عدة تتعلق بالوقف ليستمر أثره في الناس ويتحقق النفع والعائد إلى إن يشاء الله.
صدرت الموافقة على نظام الهيئة العامة للأوقاف الذي له أهمية كبيرة لحجم الأموال الموقفة في المجتمع، وللعائد الممكن لهذه الأوقاف بما يحقق النفع الكبير للمجتمع ويعزز من إسهامه في التنمية المستدامة والعائد الأمثل للاقتصاد وفق "رؤية السعودية 2030م" فيما يتعلق بجانب المؤسسات غير الربحية وحجم مساهمتها في الناتج المحلي للاقتصاد.
تضمنت المادة الخامسة من النظام موضوعا مهما فيما يتعلق باتخاذ الإجراءات اللازمة لتطوير العمل الوقفي وذلك من خلال، الدعوة إلى الوقف وتسهيل إجراءاته وتقديم المعلومات والمشورة والمساندة الممكنة للواقفين والنظار وكل من يرغب في الوقف، وتطوير الصيغ الوقفية القائمة والسعي إلى إيجاد صيغ وقفية جديدة والتنسيق في ذلك مع الجهات ذات العلاقة، الإسهام في إقامة المشروعات الوقفية والنشاطات العلمية والبحثية بما يعزز تنمية المجتمع ويحقق شروط الواقفين ومقاصد الوقف وذلك بالتنسيق مع الجهات الحكومية وغير الحكومية، ونشر الوعي في المجتمع بأهمية الوقف ودوره الاجتماعي وعقد الندوات والمؤتمرات وغيرها من النشاطات التثقيفية وإجراء الدراسات والبحوث في مجال الوقف.
موضوع تطوير الوقف له أهمية كبيرة في تحقيق العائد الأمثل، سواء هدف الواقف أو حجم ما يضيفه الوقف في الاقتصاد، فمجتمع المملكة لديه مجموعة من الخصائص التي يمكن أن تعزز من نشاط الوقف وأثره في المجتمع، حيث إنها تحتضن الحرمين الشريفين اللذين بهما حجم ضخم من الأوقاف في صور مختلفة أهمها الأوقاف العقارية، والمجتمع يحرص على الإنفاق في سبل الخير وشواهد ذلك أمثلة كثيرة كان للمجتمع فيها مساهمة كبيرة في سبل الخير بأنواعها، وحجم الاقتصاد في السعودية الذي جعلها ضمن أقوى عشرين اقتصادا حول العالم، الخبرات التي أصبحت تنمو في المجتمع مع التطور الكبير في مجال التعليم والبحث في السعودية واكتساب مجموعة من الأفراد في المجتمع خبرات جيدة من خلال التطور المعرفي والممارسة العملية، ويضاف إلى ذلك طموح السعودية من خلال "رؤية السعودية 2030م".
التوعية بالوقف له أهمية كبيرة في المجتمع، ونشر الوعي يتضمن مجموعة من البرامج التي يمكن أن تشجع المجتمع للإسهام في الوقف باعتبار أن كثيرا من الأفراد لديه رغبة في الإسهام في سبل الخير ونظرا لضعف الوعي فإن هذه الأموال قد تفقد الفائدة المرجوة منها من خلال أن يتم دفعها لغير المستحق أو للمستحق بصورة لا تحقق النفع الأمثل والمستمر له. ولذلك من المهم العمل على مجموعة من البرامج التي يمكن أن تعزز من مساهمة المجتمع في الوقف منها،
التوعية بتنوع صور الوقف، إذ إن البعض يرى الوقف غالبا في بناء المساجد أو في عقار يحقق دخلا بهدف إنفاق العائد على الفقراء في حين أن الوقف اليوم أصبح أكثر تطورا في العالم حيث يمكن أن يكون الوقف يهدف إلى الارتقاء بالمستوى التعليمي والوضع الصحي للمجتمع، إضافة إلى البرامج المجتمعية التي تعتني بتدريب وتوظيف القوى العاملة.
العناية بالأوعية الوقفية حيث إن العقار وإن كان أحد أهم موارد الوقف إلا أنه يمكن اليوم الاستثمار في أوعية متعددة يمكن لها أن تحقق كفاءة أعلى في الاستثمار والعوائد، حيث أصبح بعض رجال الأعمال اليوم يوقف أسهما أو أنشطة تجارية، وبعض الباحثين اليوم يرى في وقف النقود أحد الخيارات المتاحة، وتنوع الموارد يمكن أن يعزز من حجم الأصول الموقوفة واعتدال المخاطر واستدامة مستوى مناسب من العوائد السنوية، إضافة إلى مساهمة مجتمعية أكبر.
أحد أسباب عدم عناية بعض أفراد المجتمع بالوقف هو صعوبة توفير المبلغ الكافي للوقف، ولعل معالجة بعض المؤسسات الخيرية لهذا الأمر تمت من خلال تبني تلك المؤسسات جمع الأموال لاستكمال شراء أصول عقارية من تجزئة قيمة الأصل العقاري إلى أسهم بمبلغ صغير جدا، وعلى الرغم من ضعف كفاءة بعض المؤسسات الخيرية في إدارة هذه الأوقاف إلا أن مثل هذه البرامج وجدت قبولا كبيرا، فلو أن الهيئة العامة للأوقاف تبنت شراء بعض الأصول الجيدة التي يتوقع تخصيصها من خلال مؤسسات متخصصة تشرف عليها، وأتاحت فرصة الاكتتاب بها للمواطنين باعتبار أنها أصول وقفية فإن ذلك سيكون له أثر إيجابي في تنمية موارد الوقف مع الأخذ بالاعتبار كفاءة تلك المؤسسة في إدارة الوقف.
فالخلاصة أن الأوقاف في السعودية سيكون لها أثر كبير بإذن الله في تحقيق تنمية مستدامة في المجتمع، والإسهام في نمو حجم موارد المؤسسات غير الربحية في الناتج المحلي وهنا تأتي أهمية العناية بتعظيم موارد الوقف والتنوع في أوعيته، إضافة إلى تيسير مساهمة المجتمع في الأوعية الوقفية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي