دراما «النجم الأوحد» .. واقع ثقافة عربية تنبذ «البطولة الجماعية»

دراما «النجم الأوحد» .. واقع ثقافة عربية تنبذ «البطولة الجماعية»
دراما «النجم الأوحد» .. واقع ثقافة عربية تنبذ «البطولة الجماعية»
دراما «النجم الأوحد» .. واقع ثقافة عربية تنبذ «البطولة الجماعية»

من يصدق أن ثلثيّ ميزانية عمل فني وحيد يبتلعها شخص واحد فقط بوصفه صاحب الجماهيرية الأعلى؟ فيما توزع باقي الميزانية على مبدع النص ومخرجه، وباقي العاملين، أمام الكواليس وخلفها. بما في ذلك ما يحتاج إليه العمل من أدوات وتقنيات إنتاج ترتبط مباشرة بتجويد العمل وتقديمه؛ في صورة تتكرر موسميا. لتعكس من جهة، الطمع في حلول تسويقية سريعة. ومن جهة أخرى، ثقافة مجتمعية متأصلة دأبت على تجاهل تمكين العمل الجماعي وتمجيد "البطل الفرد". بل وصنعه من "وهم" إذا ما دعت الحاجة، أملا في أن يكون هذا "البطل" هو المخلص من هزائم نفسية وإحباطات مجتمعية، دائمة ومتكررة.

«جماهيرية» مكلِفة

الحقيقة، فنيا وإنتاجيا، أن هذا فعلا ما يقدمه كثير من المسلسلات. بل وهو ما بدأت في التحضير للإعلان عنه استعدادا لرمضان هذا العام قنوات فضائية متنوعة، تدعو المشاهد العربي إلى مشاهدة "النجم الكبير" في عمله "الجديد" بمشاركة "مجموعة" من النجوم دون تحديد أسماء. فقط من باب "رفع العتب" على ما يبدو. فهل هو الأداء الفني الخارق لهذا النجم ما يدعو إلى مثل هذا الاحتفاء. أم ندرة وعقم في المبدعين العرب؟ وفي حال تم الإقرار بـ "جماهيرية" متفردة. فهل هذه الجماهيرية تستدعي حقا كل هذا الرهان المادي والفني على شخص واحد فقط؟

ووفقا لتقارير اقتصادية؛ فإن الدراما المصرية تتصدر في رمضان الأعمال المنتَجة في العالم العربي، سواء من ناحية عدد الأعمال، أو حجم الإنفاق على الإنتاج. إذ وصلت تكلفة إنتاج الدراما المصرية هذا العام إلى ما يقارب ثلاثة مليارات جنيه، 70 في المائة من هذه التكلفة تذهب إلى أبطال الأعمال، الذين يحصلون على مبالغ ضخمة تبدأ بخمسة ملايين جنيه، وصولا إلى 40 مليون جنيه، كما هو الحال في مسلسل "مأمون وشركاه"، الذي يؤدي دور بطولته الفنان المصري عادل إمام. كذلك، فإن كلا من الفنانين يحيى الفخراني، ومحمد منير، حصلا على 30 مليون جنيه.
#2#
الأعمال الخليجية والسورية، وإن غابت أرقام نجومها عن الرصد. إلا أنها بدورها ليست بعيدة عن محاولات صناعة درامية تدور في فلك أعمال النجم الواحد، وإن كانت أقل، مقارنة بما تقدمه الدراما المصرية. وسبب القلة هنا لا يعود إلى غياب الرغبة التسويقية بقدر ما هو ندرة النجم الخليجي أو السوري صاحب الجماهيرية الفارقة عربيا. وفقا لمقاييس الفضائيات ومعايير شركات الإنتاج والتسويق الدرامي.

تجفيف منابع

إلى ذلك، فإن غياب "البطولة الجماعية" عن الأعمال الدرامية لا يعدو كونه حقيقة واقع عربي أفرزته عوامل عدة؛ منها التسويقية البحتة. ومنها الثقافية الاجتماعية. فتسويقيا يعتقد كثير من المنتجين أن الرهان على جماهيرية نجم واحد جاهزة سلفا. تضمن متابعة ومشاهدات أعلى. بغض النظر عن ضعف النص ومقومات الإنتاج الأخرى. في حين تحتاج الأسماء الجديدة أو محدودة الجماهيرية إلى تمهيد مسبق. وعمل جماعي متكامل. وهو الأمر الذي لا يهم منتِجا، يعمل بوصفه تاجرا، لا بوصفه مبدعا. لذلك هو يبحث عن الربح السريع. حتى لو كان ذلك على حساب جودة المنتَج أدبيا وثقافيا.وهذا ذاته ما يتماهى مع أسباب ثقافية واجتماعية. تستعجل النتائج قصيرة المدى. متجاهلة ما قد تتسسبب فيه مثل هذه الأطماع. من تجفيف متواصل وممنهج لمنابع الإبداع الشابة والممكنة مستقبلا. كما تتجاهل بالتوازي أيضا ما في هذا التوجه من استهلاك مفرط ومبالغ فيه لأسماء فنية لها تاريخها ومجهوداتها في المجال الفني، خصوصا، والإبداعي عموما. التي لا يليق بها وبأسمائها هذا الاستنزاف الراهن والمقصود.
#3#
استنزاف؛ يقود النجم ذاته إلى تكرار الشخصيات والأدوار التي قام بأدائها سابقا ولاقت قبولا جماهيريا. ما يعزز بدوره فرضية وجود استهداف تسويقي ضيق ومغرق في إنكار أي مقومات أخرى تتعلق بتجويد العمل. بعيدا عن كاريزما النجم الأوحد. في تلاق واضح بثقافة "خَلاصية" تستكين أكثر للعمل الذي يرتكز حول شخص واحد تجتمع فيه كل الصفات الجميلة. من ذكاء وجدية وخفة دم. إضافة إلى المواقف النبيلة والأخلاق الفاضلة الحميدة. ما يؤهله ليكون بطلا أوحد ومخلصا مثاليا تنتظره مثل هذه الثقافات التي لا تجيد العمل الجماعي. لذلك لا غرابة في أن تجد البطولات الجماعية غير جاذبة أو مشجعة على الحرص والمتابعة.

«حانوتي النجوم»

ويبقى أنه لا يمكن إنكار وجود أعمال اجتمعت لها البطولة الجماعية والقيمة الفنية العالية ونجحت جماهيريا. ولكن بعد عمل جدي ومتواصل يؤمن بأهمية وغايات العمل الجماعي. وهنا يذكر مسلسل "باب الحارة" ومخرجه بسام المُلا الذي وصفه مادحا، الصحافي الراحل محمد صادق دياب قبل ما يقرب من ستة أعوام في مقال له في الشقيقة صحيفة "الشرق الأوسط" بـ "حانوتي النجوم" نظير ما يخسره المسلسل من نجوم عاما بعد عام في سبيل الحفاظ على "البطولة الجماعية" من أي محاولة نجمية فردية تحاول المساس بها. وهو ما تحقق فعلا للعمل ليذكر هذا العمل، ومثله مسلسل "الزير سالم"، بمسلسلات ذات بطولة جماعية قدمها في الثمانينيّات الميلادية الكاتب والسيناريست أسامة أنور عكاشة.

كما وتذكر بإجماع وإطراء نقدي أعمال مصرية أخيرة قدمت نصا وإخراجا وأداء، بروح الجماعة وهمة الشباب، مثل "السبع وصايا" و"العهد" وبنت اسمها "ذات". ومع ذلك لم نشهد هذا العام تكرارا لمثل هذه التجارب بقدر ما يبشر كثير من "التترات" الدعائية بعودة النجم الأوحد لتتصدر شباك الطلب والمتابعة. فيما يبقى التاريخ على عهده بالوفاء لأعمال قديمة وحديثة بقي ذكرها حاضرا لأنها لم تكن خلاصَا، بل خلاصة عمل إبداعي مشترك.

الأكثر قراءة