سوق النفط في 2016 .. المنتجون يتسلحون بـ «سقف الإنتاج» لضبط الأسعار

سوق النفط في 2016 .. المنتجون يتسلحون بـ «سقف الإنتاج» لضبط الأسعار
سوق النفط في 2016 .. المنتجون يتسلحون بـ «سقف الإنتاج» لضبط الأسعار
سوق النفط في 2016 .. المنتجون يتسلحون بـ «سقف الإنتاج» لضبط الأسعار
سوق النفط في 2016 .. المنتجون يتسلحون بـ «سقف الإنتاج» لضبط الأسعار
سوق النفط في 2016 .. المنتجون يتسلحون بـ «سقف الإنتاج» لضبط الأسعار

ندخل الآن العام الثالث من أزمة انهيار أسعار النفط. ففي حين كان الأثر الاقتصادي في العام الأول محدودا لأن الانهيار بدأ فعليا في الربع الأخير من ذلك العام فقد شكل عام 2015 علامة فارقة في تاريخ سوق النفط، حيث فاقمت الأسعار من خسائرها وكلفت منتجي منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” النصف ترليون دولار ووفرت لمستهلكي النفط مثلها ولكن الأهم من ذلك هو بداية عهد جديد من السياسة النفطية لمجموعة «أوبك» وهو تسلحها بـ «سقف الإنتاج». ندخل العام الثالث والعنوان الرئيس لهذه المرحلة من تاريخ السوق النفطية لا يزال مستمرا: صراع على الحصص، ولكن هذه المرة تحت شعار “لنضبط الأسعار بتجميد الإنتاج”.

الوضع الراهن للسوق النفطية
بالنظر إلى الأحداث التي أدت إلى هذه الأزمة نجد أن عامل العرض (الإنتاج) كان الدافع الأكبر وراء انهيار الأسعار، حيث أسهم النمو الكبير في إنتاج النفط الصخري الأمريكي من 5.6 مليون برميل في 2010 إلى 9.6 مليون برميل في 2015 مدفوعا بتطوير تقنيات الحفر الأفقي Horizontal Drilling والتكسير الهيدروليكي Hydraulic Fracturing في خلق فائض كبير في العرض مقابل الطلب، ما أدى إلى موجة هبوط للأسعار بدأت في الربع الأول من عام 2014 وفاقمها قرار منظمة أوبك ذلك العام بعدم تقليص حصص منتجيها. ثم افتتحت أسعار النفط العام الماضي (2015) عند 55 دولارا للبرميل وواصلت هبوطها لتصل إلى 45 دولارا ثم بدأت رحلة تصاعدية مؤقتة لتخترق حاجز 65 دولارا في أيار (مايو)، ومن ثم عاودت الهبوط بشدة لتنهي العام عند حاجز 35 دولارا للبرميل. وبهذا تكون أسعار النفط قد وصلت إلى أدنى مستويتها منذ 2008. وقد بلغ معدل السعر السنوي لمزيج سلة خامات أوبك 50 دولارا للبرميل للعام 2015 مقابل 96 دولارا للعام الذي سبقه وهو أدنى معدل سنوي منذ 2004.

#2#

ويمكن تلخيص أهم المستجدات في جانب العرض في السوق النفطية للعام الماضي والتوقعات للعام الحالي في النقاط التالية:
أولا: استمرار منظمة أوبك في سياستها الإنتاجية وارتفاع صادرات أعضائها وبالأخص العراق والسعودية. حيث وصل إنتاج العراق إلى نحو أربعة ملايين برميل يوميا مقابل 3.3 مليون برميل قبل سنة رغم الاضطرابات الأمنية. كما رفعت المملكة إنتاجها بشكل كبير حيث بلغ معدل الإنتاج للأشهر العشرة الأولى من العام الماضي حسب بيانات مبادرة البيانات المشتركة 10.3 مليون برميل يوميا مقابل 9.7 مليون برميل للعام الأسبق. كما أعلنت شركة نفط الكويت قبل أيام وصول الإنتاج مطلع العام الجديد إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا وهو أكبر حجم إنتاج للكويت على الإطلاق. هذه الزيادة في الإنتاج التي هدفت إلى الرفع من الحصة السوقية شكلت ضغطا إضافيا على الأسعار. ومن المتوقع أن ترفع المنظمة من إنتاجها ولكن بشكل أقل حدة من العام الماضي.

#3#

ثانيا: إعلان الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول الخمس زائد واحد الذي من شأنه أن يسمح لإيران بزيادة صادراتها النفطية خلال العام الجديد، حيث لم يتجاوز حجم الصادرات الإيرانية المعلنة 1.5 مليون برميل يوميا خلال العام المنصرم. وقد أعلن وزير الطاقة الإيراني قبل أشهر قدرة إيران على رفع طاقتها الإنتاجية بمقدار 500 ألف برميل يوميا بعد رفع العقوبات مباشرة، المتوقع أن يبدأ في النصف الأول من 2016 ثم استعادة كل القدرة الإنتاجية في غضون سبعة أشهر. إلا أن كثيرا من المختصين النفطيين يشككون في قدرة إيران على رفع إنتاجها بهذا القدر والسرعة في ظل ضعف الخبرات النفطية الإيرانية وقلة الاستثمارات في السنوات الماضية عدا النمو المتوقع للاستهلاك الداخلي الإيراني للمشتقات النفطية الذي سيشكل ضغطا إضافيا على صادراتها. ولكن الأهم هنا أن زيادة الإنتاج الإيراني أضحت شبه مؤكدة وقد تلقت إيران بالفعل مدفوعات من الاتحاد الأوروبي لأول مرة مطلع هذا العام مقابل مبيعاتها النفطية لأول مرة منذ خمس سنوات وسيكون لهذا الإنتاج النفطي الإيراني تأثير إضافي خلال العام القادم في فائض العرض الذي تشهده السوق.

#4#

ثالثا: بداية تقلص إنتاج النفط الصخري الأمريكي نظرا لكلفة إنتاجه العالية في ظل الأسعار الحالية ولكن بشكل بطيء نسبيا، فعلى الرغم من انهيار عدد منصات الحفر من نحو 1600 منصة إلى 550 منصة بنسبة تصل إلى 65 في المائة، إلا أن إنتاج النفط استمر في الارتفاع ولم يبدأ بالتراجع إلا في أيار (مايو)، وقد بلغ حجم التراجع نحو 500 ألف برميل حتى الآن، ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين. السبب الأول هو أن الجزء الأكبر من التكلفة الإنتاجية للنفط الصخري هي في الاستثمارات الرأسمالية من خلال الآبار التي تم حفرها قبل انهيار الأسعار، فعلى الرغم من أن كثيرا من الشركات تخسر بشكل عام في استخراج وبيع كل برميل نفط في ظل الأسعار الحالية إلا أنها تستمر في القيام بذلك لدفع جزء من التكاليف الرأسمالية للإنتاج. السبب الثاني لتماسك إنتاج النفط الصخري هو تحسن الكفاءة التشغيلية فقد تمكنت الشركات النفطية العاملة في حقول النفط الصخري من تقليص تكاليف الإنتاج من خلال تطوير تقنيات الحفر والاستخراج، والضغط على الموردين، والتركيز على الحقول الأكثر إنتاجية. ومع ذلك فمن المتوقع أن يستمر الانخفاض في إنتاج النفط الصخري في العام الجديد بمعدل قد يتخطى 500 ألف برميل يوميا في حال بقاء الأسعار في مستوياتها الحالية.

#5#

رابعا: تراجع الاستثمارات العالمية في تطوير حقول النفط ليس في الولايات المتحدة فقط بل في معظم الدول المنتجة، حيث ذكرت أوبك في تقريرها النفطي الأخير أن الدول المنتجة ألغت مشاريع قيمتها 130 مليار دولار للعام الماضي. هذا التراجع سيكون له دور في إعادة التوازن بين العرض والطلب في السنوات القادمة حيث إن إجمالي الإنتاج من الدول خارج منظمة أوبك سينخفض في العام الحالي لأول مرة منذ 2008 حسب توقعات وكالة معلومات الطاقة الأمريكية.
أما من جانب الطلب فقد بدأت بوادر التعافي في الاستهلاك العالمي للنفط بمعدل نمو 1.5 مليون برميل يوميا مقابل نمو قدره 1.2 مليون برميل في عام 2014 مدفوعا بالنمو الاقتصادي والسكاني العالمي، وعلى وجه الخصوص:
خامسا: ارتفاع الاستهلاك في الولايات المتحدة بـ380 ألف برميل يوميا نتيجة للنمو الاقتصادي والإنتاج الصناعي والتسارع في معدلات التوظيف، إضافة إلى انخفاض سعر الوقود على المستهلك النهائي، الذي أدى إلى ارتفاع مبيعات السيارات لتصل إلى 17.5 مليون سيارة في عام 2015 وهو أعلى رقم مبيعات على الإطلاق، إضافة إلى ارتفاع معدل القيادة على المستوى الفرد هناك.
سادسا: استمرار نمو الطلب على النفط في الصين بمعدل 3 في المائة (380 مليون برميل يوميا)، التي وحدها شكلت 55 في المائة من الزيادة في استهلاك النفط العالمي خلال العقد الماضي. ولكن من المتوقع أن ينخفض نمو الطلب الصيني على النفط مع التباطؤ الاقتصادي الذي تسارعت وتيرته العام الماضي.
سابعا: نمو الطلب على النفط في الهند بمعدل 300 ألف برميل يوميا لتصبح ثالث أكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. ومن المتوقع أن تسجل الهند أكبر معدلات النمو في استهلاك النفط مدفوعة بتسارع النمو الاقتصادي والطبقة المتوسطة.
أما في العام 2016 فسوف يراوح حجم الارتفاع في استهلاك النفط في العالم بين 1.5 مليون برميل (حسب توقعات منظمة أوبك) و1.8 مليون برميل (حسب توقعات وكالة الطاقة الدولية) ولكن نظرا لتوقعات النمو في الإنتاج فمن المستبعد أن يتقلص فائض العرض كثيرا، الذي يصل حاليا إلى 1.5 مليون برميل يوميا.

لماذا صراع الحصص؟
الواقع الجديد الذي أنتجته ثورة النفط الصخري هو أن كمية النفط التي يمكن استخراجها من الأرض recoverable oil أصبحت أكثر بكثير من التوقعات السابقة، حيث تتجاوز في بعض الدراسات 300 مليار برميل وهو يقارب حجم احتياطي النفط التقليدي في السعودية ــــ ولكن في الوقت نفسه تكلفة استخراج هذا النفط الصخري تتجاوز كثيرا تكلفة النفط التقليدي. وهذا يعني أنه أصبح لأسعار النفط سقف وأرضية. أي أن الحديث عن وصول الأسعار إلى 200 دولار للبرميل الذي كان متداولا قبل بضع سنوات أصبح مستبعدا إن لم يكن مستحيلا على المديين القصير والمتوسط. بل إن مستويات السنوات السابقة (90 إلى 110) هي أيضا بعيدة المنال، وذلك لأن مجرد الاقتراب من هذه الأسعار سوف ينفض الغبار عن ثورة النفط الصخري (الخاملة حاليا) ليتم إغراق سوق النفط بملايين البراميل الكفيلة بعكس اتجاه الأسعار – وهذا ما يقصد به مصطلح السقف السعري.
أما المقصود بالأرضية فهو التسعيرة التي يصبح إنتاج النفط الصخري عندها غير مجد تجاريا وهي تراوح بين 30 و90 دولارا حسب منطقة الإنتاج ولكنها أيضا تتغير مع الوقت مدفوعة بالتطورات التقنية في مجال الحفر واستخراج النفط الصخري. الدراسات التي تحاول تحديد سعر تكلفة الإنتاج الصخري كثيرة ونتائجها متفاوتة لأننا أمام صناعة حديثة نسبيا ومتشعبة من حيث عدد الشركات وطبيعة الحقول وسرعة تطور التقنية. ما يمكن تأكيده في المرحلة الحالية هو أن معظم الشركات في هذ القطاع تعيش أزمات مالية حادة وكثير منها أعلنت بالفعل إفلاسها إذا بلغ عدد الشركات الأمريكية النفطية التي أعلنت افلاسها حتى الشهر الماضي 37 شركة وهذا الرقم قد يتضاعف في العام الحالي.
يوضح الرسم البياني التالي المعنى الحقيقي لصراع الحصص حيث يظهر إنتاج كل من السعودية والولايات المتحدة الفعلي منذ مطلع 2014 ويلاحظ النمو الهائل في الإنتاج الأمريكي الذي أدى في نهاية ذلك العام إلى تخمة العرض. كما يلاحظ القفزة في إنتاج المملكة الذي كان نتيجة قرار منظمة أوبك التخلي عن سياسة حصص الإنتاج. الخطوط المتقطعة في الرسم البياني تمثل تصورا عن حجم الإنتاج للدولتين في حال بقيت الأسعار مرتفعة بناء على معدلات النمو في السنوات السابقة. وكما يلاحظ فإن المملكة تمكنت من الحفاظ على حصتها السوقية على حساب النفط الصخري نتيجة هذه السياسة. دفعت هذه البيانات بكثير من المحللين للإقرار بنجاح هذه السياسة ولو في المرحلة الحالية. ولكن يظل هذا النجاح مرحليا وغير مجد على المدى القصير وكي يكون مهما وذا أثر ملموس فعلى الأسعار أن تعاود الارتفاع إلى مستويات 60-70 دولارا للبرميل على أقل تقدير، تم التوافق أخيرا على إمكانية تجميد الإنتاج عند مستويات يناير 2016.

ما الذي ينتظر سوق النفط خلال 2016؟
سوف يحمل العام الجديد تطورات جديدة في السوق النفطية سوف يراقبها المختصون والاقتصاديين من كثب وسوف يكون لها أثر كبير في توجه الأسعار عنوانها الرئيس استمرار صراع الحصص وأهم نقاطها:
- مدى انخفاض إنتاج النفط الصخري في ظل الأسعار الحالية.
- قدرة إيران على رفع إنتاجها النفطي بعد رفع العقوبات الاقتصادية.
- الارتفاع في الاستهلاك العالمي للنفط خصوصا للولايات المتحدة والصين والهند.
- اقتراب المنتجين من الالتزام باتفاق لتجميد الإنتاج.

الأكثر قراءة