جرائم «داعش» .. في الجذور التاريخية «2»
في مقالي السابق عن موسوعة - العذاب - التي جعلتنا أمام جرائم - منظمة فواحش الإرهابية - في الشام والعراق، التي تغتال الركع السجود في بيوت الله كل جمعة، تلك الجرائم كانت لها مسالكها الوعرة، والمتكررة في توالي القتل والقبض ومن العذاب أشده ألما وأعظمه عذابا وشناعة ووحشية.
ربما لم يكن التشفي، وغلالة الحقد، وحدهما يمثلان العلة والسبب، فقد كان المغول يتعمدون الوصول بالقتل أقصى درجات التنكيل والمثلة، كرسالة - ترهيب - وترويع - للمدن التي ما زالت تفكر أن تقاوم، وتحدثها نفسها بالمقاومة والحرب، كل تلك الجرائم المروعة كانت جزءا من حرب إعلامية، وجزءا من المعركة. وهذا الترويع والإرهاب، والعذاب والتنكيل، هو شريعة "فواحش" اليوم. وهنا نستذكر أيضا ما كان يفعله المستعمرون في شعوب الدول التي يستعمرونها، وما كان يفعله الأمريكيون بالهنود الحمر، والحروب الطاحنة التي دارت في أوروبا وما كان يصاحبها من تعذيب وحشي متنوع الأصناف.
كما في كل مرة في التاريخ العربي والإسلامي، كان العلماء والمسلمون، يتملكهم الغضب لرسمة على ورقة تعد مسيئة لمقام خاتم الأنبياء والمرسلين - صلوات الله وسلامه عليه - ولا يحركون ساكنا حين يتم نحر مسلمين، أو دفنهم أحياء، أو نحرهم بتلذذ، أو إزهاق أرواحهم غرقا، وتقطيعا بالموس والنار كما كان يفعل الوزير ابن الزيات، على الرغم أن هذه الجرائم هي مسيئة للإسلام وأهله، والتوحيد وأتباعه، وأن قدر هذه الجريمة لا يقاس بتلك، وأن آثار هذه في التدمير والتأصيل والسكوت الذي أذن وفسح المجال لتكراره أعظم إثما، وأعظم وزرا من بذاءة لفظ أو بذاءة صورة، هي بمستوى الشاتم ولن تصعد أو تنال من مقام خير خلق الله أجمعين.
لم تخرج المدن العربية بعشرات الآلاف بعد حرق "فواحش" للأحياء، كما لم تحرك ساكنا في سبي النساء، وغابت تلك البيانات الغاضبة، وشديدة القسوة على الرسوم المسيئة. وكأن جرائم "فواحش" هي أقل شأنا، وأقل خطرا على الإسلام، ومكانته، من تلك الرسوم.
إن هذه ظاهرة متكررة، ففي موسوعة العذاب، صور رهيبة، كان يقع كثير منها في المسجد أو على بابه، أو في ساحة قريبة منه، وكان المصلون يحضرون العذاب قبل انصرافهم لبيوتهم، دون نكير، ودون أن يخاف الوالي العامة، وغضبهم، والعلماء وفتاواهم! كسلّ الأظافر من الأصابع، وقلع الأضراس، وسل اللسان، وتقطيع الأطراف، والنحر، حتى بات القتل بالسيف صبرا هو أهون العقوبات وأخف أنواع العذاب! كما في الجزء الخامس من موسوعة العذاب!
ثم تطور طلب العذاب في عصور لاحقة، وتم إضافة الرمي للحيوانات المفترسة، ليكون الإنسان وليمة حية لها! وهو الأسلوب الذي اخترعه الحجاج بن يوسف الثقفي، في العهد الإسلامي فقد حبس العابد والزاهد إبراهيم التيمي، ومنع عنه الطعام، ثم أرسل إليه الكلاب الضارية تنهشه وتأكل من لحمه حتى مات. كما في كتاب - اللباب ج 1- 190 -، والسيوطي - رحمه الله - روى في تحفة المجالس: أن المعتضد، غضب على أحد وزرائه، فألقى به للنمور لتأكله بعد أن كسر عظامه تكسيرا، فأكلته حيا، (ص 311).
في كل التاريخ الإسلامي يقف متفرجا يكرر الغضب المستتر تجاه هذه الجرائم، إلا أنه لا يتصرف بشكل جماعي يؤسس للخوف من تكرارها، أو خشية العلماء والعامة.
كان موقف الفقهاء والعلماء والمجتمع سلبيا وبليدا وغير ناضج في كل مرة تتكرر فيها هذه الجرائم من الحجاج حتى "فواحش"، لهذا هي تعود وتختبئ لتعود مرة أخرى، فردود الفعل الجماعية تغري بتكرارها، وعودتها!
وربما إمكانات الحاضر تساعد أكثر من أي وقت مضى لنجعلها جزءا من الجرائم ضد الإنسانية، أيا كان الفاعل وتحت أي ديانة أو مذهب أو ملة، وبغضب رادع، وردة فعل جماعية بمستوى الأمة كلها. وبحجم الإسلام وعظمة إنسانيته ورحمته.