علموا أطفالكم البرمجة

عندما بدأت جامعاتنا في تدريس تخصص علوم الحاسب الآلي نال هذا التخصص الجديد حينها كثيرا من الزخم. اليوم، لم يقل الزخم ولكن تغير كما ونوعا مع التطور الكبير في علوم الحاسب الآلي والتقنية المعلوماتية إذ أصبحت تطبيقاتها الجديدة تؤثر بلا استثناء في حياة كل إنسان وتتنوع وتنمو بطريقة تصعب متابعتها. ليس من المبالغة الحديث عن التقنية - والبرمجة على سبيل المثال – كنشاط مهم يستحق بالغ الاهتمام، فدائرة تأثيرها تتسع باعتبارها عملا منتجا يحسن من حياتنا ووسيلة لكسب الرزق إضافة إلى كونها أداة للفهم والتعامل مع محيطنا التقني وهي هواية جميلة ومفيدة!
من المهم أن تتضافر جهود محو الأمية التقنية وتعليم البرمجة لأبنائنا في عمر مبكر، ربما حتى قبل التعليم الابتدائي أو بالتوازي معه. على الآباء أن يبحثوا في الوسائل البديلة لتعليم أبنائهم البرمجة ويقوموا بذلك على وجه السرعة وذلك للفوائد التي يجنيها الطفل من هذا التعلم الإبداعي؛ قد يكون تعلم البرمجة هو الطريقة الأفضل لمواجهة السيطرة السلبية للأجهزة الذكية على حياتنا وحياة أبنائنا.
عالميا، لا تخلو التوصيات التربوية من التشديد والنصح حول أهمية تعليم البرمجة وعلوم الحوسبة الحديثة للأبناء بشكليها النظامي وغير النظامي. في جمهورية أستونيا يعلمون البرمجة من الصف الأول الابتدائي (هي الدولة التي خرج منها تطبيق سكايب)، وفي بريطانيا بدأوا منذ العام الفائت بتعليمها نظاميا لطلبة الصفوف الأولية. ونجد أن جمعية معلمي علوم الحاسب الأمريكية CSTA تنصح بتعليم علوم الحاسب والمعلوماتية في جميع المراحل الدراسية بلا استثناء والتركيز على ربطها وتفاعلها مع ممارسات الأطفال، ولا تخفى جهود الشركات الكبرى مثل جوجل ومايكروسوفت في نشر تعليم البرمجة. محليا، تتحدث استراتيجيات تطوير التعليم عن تطوير مناهج الحاسب بخطط عاجلة مؤقتة وأخرى استراتيجية شاملة، ولكن المطبق حاليا لا يكفي لتعليم البرمجة كما يجب.
يدعو الرئيس أوباما أطفال بلاده إلى الاهتمام بالبرمجة إذ يقول محفزا: "لا تشتري لعبة فيديو ولكن اصنع واحدة! لا تحمل تطبيقا من هاتفك ولكن قم بتصميمه!". لم يهتم أوباما بالبرمجة وتعليم علوم الحاسب إلا لأهميتهما لمستقبل الولايات المتحدة خصوصا بعد المنافسة الشرسة التي تواجهها من الدول الأخرى التي تنمو قدرات شبابها في الرياضيات والعلوم والتطبيقات التقنية بسرعة فائقة. يؤكد أوباما أن المسألة لا تخص مجموعة محدودة من الطلبة المتفوقين وإنما هي أمر عام يجب أن يهتم به الجميع ولهذا دشنت أمريكا خلال السنوات الماضية العديد من المبادرات الكبرى لدعم البرمجة وتعليمها.
ماذا يقول الذين يدعون الجميع بلا استثناء إلى تعلم البرمجة؟ أبدأ بما يقوله المبرمج والمدون ديف ماكفارلند: "إذا كانت أجهزة الحاسب تحيط بحياتنا من كل جانب فتعلم البرمجة سيحسن من حياتنا بكل تأكيد". ويشرح ديف فكرته بأن المقصود هو تأثير البرمجة في طريقة التفكير وتحسين المهارات الحياتية ورفع الإنتاجية. أما سيمون جوليان الرئيس التنفيذي لأحد مواقع البرمجة الشهيرة فيضع ستة أسباب تدعونا لتعليم البرمجة للأطفال، وهي كالتالي. أولا، البرمجة لغة عالمية سريعة النمو. ثانيا، التطبيقات المتصلة ببعضها بعضا تغير من حياتنا باستمرار. ثالثا، التعليم في الصغر هو أفضل وقت لتعلم البرمجة. رابعا، البرمجة ساحة كبرى للإبداع والابتكار. خامسا، البرمجة تطبيق مباشر لحل المشكلات وممارسة التفكير الناقد. وأخيرا، العنصر القصصي التتابعي في كتابة الكود البرمجي يضفي الكثير من السيولة الفكرية – حسب تعبيره – عند الطفل ويرفع من حماسه ويتمم له المعاني.
عندما بدأت القراءة عن Lean Startup أو ما أطلقت عليه الريادة الرشيقة فوجئت بدور البرمجة في تطوير هذه الممارسات الثورية المختصة بإدارة المشاريع التجارية. على الرغم من اعتماد الريادة الرشيقة على الكثير من التطبيقات الحديثة لجودة التصنيع التي عممتها شركة تويوتا وأطرتها جامعةMIT إلا أن منهجيات إدارة مشاريع البرمجة كان لها الأثر الأكبر في تطوير هذه الممارسات. وهو ما يسمى Agile Development أو التطوير الرشيق أو الذكي الذي يحدد كيفية بناء البرمجيات باستخدام قفزات سريعة في الإنجاز تتعامل مع التجربة والتحديات غير المتوقعة بطرق أكثر مرونة. يرينا هذا مدى تأثير البرمجة في إدارة المهام والتطبيقات الحياتية الأخرى التي قد تكون بعيدة جدا عنها.
من الجميل أن نسمع عن بعض المبادرات التقنية التي تقوم بها الجهات الداعمة للمنشآت الصغيرة أو برامج المسؤولية الاجتماعية، والأجمل أننا نرى الكثير من الأنشطة الشخصية لمبرمجين سعوديين يشاركون غيرهم في نشر أفكارهم وممارساتهم الإبداعية، ولكن هذا لا يكفي ولن نجده في كل حي وشارع. وبدلا من أن ننتظر الوقت الذي نرى فيه مراكز تدعو الصغار لتعلم البرمجة، علينا أن نستغل عديدا من التطبيقات والمواقع المجانية التي تنشط في هذا المجال، فاليوم حتى لعبة مثل "ماين كرافت" التي يحبها الصغار توجد منها نسخة مخصصة لتعليم البرمجة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي