Author

دروس من بنك الإسكان النرويجي

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
يعد بنك الإسكان الحكومي النرويجي الأداة الأولى لتطبيق سياسات الإسكان في النرويج. هذه نبذة مختصرة عنه مأخوذة من موقعه بغرض الاستفادة من تجربته. أرى أن تجربة النرويج من أقرب وأصلح التجارب لنا، فهي دولة نفطية لكنها متطورة اقتصاديا ومهنيا. لتحقيق أهدافه يستخدم البنك وسائل مالية لتسريع تحقيق أهداف سياسات الإسكان. وأهم هذه الوسائل القروض الأساسية، القروض الابتدائية، مخصصات ومنح الإسكان. كما يعتبر البنك مصدرا معلوماتيا لكل ما يتعلق بسياسات الإسكان وتطويره. مر البنك بمراحل تطوير عديدة، ويهمنا أحدثها. منذ نحو 20 عاما وحتى الآن، تغيرت مواضع تركيز البنك من تمويل متاح لأغلبية الشعب النرويجي بغرض بناء أو تملك مساكن جديدة، إلى التركيز على تمويل ثلاث فئات: فئة كبار السن الذين لا يملكون بيوتا، وفئة الأقل قدرة على الحصول على تمويل سكن مناسب من بنك تجاري. كلتا الفئتين تمنحان قروضا حسنة، أي دون فوائد ودون إعفاءات. فئة ثالثة تمنح قروضا عليها إعفاءات، يتفاوت حجمها حسب الحاجة، ويمكن القول بأنها الفئات الفقيرة حسب معايير المجتمع النرويجي. الآخرون، أي من غير الفئات الثلاث، عليهم عادة التوجه إلى المصارف التجارية. الجانب التشريعي: للجانب التشريعي أهمية كبيرة في سياسات الإسكان النرويجية، ويعد القانون الحاكم أو المنظم لعمل البنك وخدماته هو أهم القوانين. وهناك قوانين ذات صلة هي قانون التخطيط والبناء، وقانون الإسكان التعاوني، وقانون الإيجار، وقانون ملكية الوحدة. التمويل: تخضع ميزانية البنك السنوية لموافقة البرلمان النرويجي. منح البنك وتكاليفه الإدارية التشغيلية تمول من مخصصات دعم في الميزانية العامة، أما قروض البنك فعلى اسمها تسدد مع فوائدها من المقترضين، وتخضع لرقابة الدولة. مع ملاحظة مسألة مهمة جدا: الفوائد التي يدفعها المقترضون تحسب قريبا من سعر الإقراض للدولة، وهي أقل من أسعار الفائدة السائدة في السوق. أي أن الأفراد المقترضين من المصارف التجارية بترتيبات مع بنك الإسكان تحسب عليهم فوائد بسعر الجملة.للبنك علاقات تعاونية واسعة مع جهات كثيرة حكومية وخاصة بهدف مساعدته على تحقيق أهدافه. من يستحق الإعانات الإسكانية يحق عادة لفئتين الحصول على مخصصات بمثابة إعانات إسكانية: ذوي الدخول المتدنية (المحدودة)، ومن يجد صعوبات ومتاعب في سداد إيجار بيته أو أقساط تمويلات لبيته. الهدف تمكين كل مواطن من الإقامة في سكن ضمن حدود ومعايير سكنية مقبولة. وتحكم الفئتين ضوابط وتفاصيل قانونية خاصة بها. والعادة أن تسهم الإعانة أو المخصص في دفع نسبة من التكاليف وليس كلها، وتحدد النسبة حسب الحالة. دعم بحوث الإسكان: يخصص البنك منحا لدعم البحوث المتخصصة التي تسهم في تطوير وتحسين الإسكان وقطاع البناء الإسكاني والعاملين فيه. ما يمكن أن نستفيده لنا أن نستفيد في بناء قوانين ولوائح مفصلة دقيقة وعالية المهنية لعمل وطريقة وأسلوب وسياسات الإسكان وما يتبعه من تمويلات وتطوير عقاري. لنا أن نستفيد في تعديل وتطوير سياسات إقراض صندوق التنمية العقارية، وهنا مزيد تفاصيل. لو كانت قروض الصندوق تمنح دون انتظار طويل لما كانت هناك أصلا حاجة ماسة للتعديل والتطوير. الوضع خلاف ذلك فطوابير الانتظار طويلة، وأتوقع أن يزداد الوضع سوءا مع السنين القادمة لسببين: تزايد السكان، وأوضاع المالية العامة التي لا تسمح بضخ المزيد من المال للصندوق. وحتى لو تفاءلنا بوصول أسعار النفط إلى أكثر من 80 دولارا للبرميل بعد سنوات، علينا ألا ننسى عاملين: التضخم، وزيادة السكان. ماذا يعني ما سبق؟ أرى تغيير سياسة استحقاق كل مواطن تقريبا (حسب الشروط المطبقة الآن) لقرض الصندوق تغييرها بما يشبه ما يفعله البنك النرويجي، بحيث تقتصر على الفئات الأكثر احتياجا، بشرط قدرتها على سداد كل أو معظم القرض، حسب الحالة. وفي حالة سداد معظم القرض، لابد من سياسات وترتيبات بما يمنع تناقص أموال الصندوق. أما من لا يقدرون على السداد (كمستحقي الضمان الاجتماعي) فينبغي أن تكون لهم سياسة وترتيبات خاصة تؤمن لهم سكنا لائقا، بما يدخل ضمن توفير الإسكان التعاوني أو التنموي ونحو ذلك من الأسماء. الباقون لا يمنحون قروضا من الصندوق بل من المصارف التجارية، لأن إتاحة الفرصة لهم للاقتراض من الصندوق تعني بالضرورة زيادة الطوابير على الصندوق، كما هو موجود الآن، وهذا يعني صعوبة إقراض الفئات الأكثر احتياجا ضمن وقت معقول. إلا أنه يمكن للصندوق أو الدولة بصفة عامة أن ترتب مع المصارف التجارية بحيث تكون أرباح/فوائد المصارف مماثلة لما تجنيه من السندات الحكومية، ضمن ضوابط طبعا. ولتحقيق هذا الغرض، للصندوق أن يستعين بتجربة البنك النرويجي. وفي ختام المقال أشير إلى نقطتين: الأولى تطوير سياسات تمويل الإسكان لا ينبغي أن تكون على حساب تطوير رسوم على قيمة الأراضي تتصف بأنها عادلة ومدروسة مهنيا قدر الإمكان. والثانية الاستناد إلى الدراسات والاستشارات المهنية قبل ومع وبعد إصدار القرارات، والهدف تقليل الأخطاء المكلفة قدر الإمكان.
إنشرها