Author

ما وراء القرض المعجل

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
كلنا نعرف أن قوائم الانتظار في صندوق التنمية العقارية طويلة بل طويلة جدا، تتطلب الانتظار لسنوات وسنوات. وتقليلا من هذا الانتظار، طرح الصندوق قديما فكرة قرض معجل تناسب بعض الناس، عادة الأكثر ملاءمة. فكرة التعجيل مقابل تكبير القسط وتقليل مدة السداد تعني أن الصندوق يعاني شحا في الأموال. ما سبب هذا الشح؟ هناك نمو في عدد السكان يقابله رأسمال شبه جامد نقص وينقص كثيرا مع الوقت نظرا لتعثر كثيرين في السداد. ونتج من هذه الأوضاع قوائم الانتظار الطويلة لسنوات وسنوات. البرنامج الذي طرحه الصندوق هذه الأيام مختلف في جوهره عن الفكرة القديمة، مع بقاء الاسم كما هو، وربما أوقع ذلك كثيرين في سوء فهم لطبيعته وحكمه. وبالمناسبة، أقترح على الصندوق البحث عن اسم أنسب من "قرض معجل" وإطلاقه. ومن المهم أن أنبه على أن هذا المقال لا يستهدف تقييم البرنامج درءا لسوء الظن والفهم. إمكان تنفيذ الفكرة القديمة للقرض المعجل مع وجود الشح صعب مع تغير أوضاع الميزانية من فائض كبير إلى عجز كبير. ومتوقع أن هذا سبب أساسي لبحث الصندوق عن طريق آخر أقل عبئا على موارده المالية الشحيحة نسبيا. هذا الطريق الآخر هو ما طرحه الصندوق الآن. برنامج تمليك عقاري يموله البنك التجاري أو شركة التمويل العقاري (ضمن نوع اتفاق مع الصندوق) للمواطن الذي هو على قائمة انتظار القرض في الصندوق ويرغب في الاستعجال للحصول على قرض لبناء أو شراء وحدة سكنية والخروج من قائمة الانتظار لقرض الصندوق. مساهمة الصندوق تتركز في كونه يسدد للمصرف دفعات أرباح التمويل (سداد الأصل على المتمول)، وهذه الدفعات قرض من الصندوق على المتمول مشتري العقار، وعليه سدادها للصندوق على 60 قسطا شهريا، بعد سداد أقساط أصل التمويل للمصرف. الصندوق باختصار يقول يا أيها المتقدمون إذا أردتم العجلة فدبروا حالكم بتمويلات من مصرف، ودوري أن أساعدكم بأن أسدد وضمن سقف أرباح المصرف، وتسددونها لي فيما بعد. طبعا، هذا الكلام أسخط كثيرين. كيف يمول المصرف؟ عبر منتج مرابحة المجاز من فقهاء المصرفية الإسلامية. المرابحة ليست قرضا، بالمعنى الفقهي (الشائع) في المعاملات المالية. نقلا من كتاب: "المعاملات المالية المعاصرة" للشيخ الدكتور سعد الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء، القرض "دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله". وهذا تعريف الفقهاء. فإذا جر القرض نفعا فهو ربا. وحيث إن المصارف تبحث عن الربح، والناس لا تقبل بتعامل ربوي، فإن الصندوق انتهى مع المصارف إلى منتج المرابحة. ما المرابحة، وتدقيقا المرابحة للراغب في الشراء؟ بيع التقسيط يسهل الفهم. التقسيط باختصار بيع سلعة بثمن مؤجل أو بأقساط معلومة مع زيادة في قيمة السلعة مقابل الأجل. وجمهور الفقهاء يجيزونه. أما المرابحة فأن يأتي طالب سلعة بعينها، وليس عنده نقد ليشتريها، ومالكها لا يبيع بالتقسيط، أن يأتي إلى ممول وعادة مصرف، ويطلب أن تشترى (بضم التاء) له تلك السلعة، ثم يشتريها ممن اشتراها بالتقسيط. المعاملة السابقة مستحدثة اسما، أما حقيقة فليست مستحدثة. ولا تخلو من حالتين: الأولى تعاقد مباشر بين الطالب والمصرف لشراء السلعة، والأخرى ألا يحصل تعاقد بل وعد بالشراء. الأولى محرمة عند الفقهاء لأنها تدخل في بيع ما لا يملك الإنسان، ولأنها حيلة على القرض بفائدة. وأما الثانية فجائزة عند أغلبية الفقهاء المعاصرين، بشروط، بحثها يطيل المقال. في ظل ظروف العجز في الميزانية، هل من حل لشح أموال الصندوق؟ لتخفيف عبء أرباح المصرف ولتخفيف عبء الدفعة المقدمة عند شراء منزل بتمويل مصرفي؟ البحث عن حلول مطلوب، ذلك أن تكلفة المنزل ستبقى عالية، حتى مع فرض رسوم على الأراضي (بافتراض درجة عالية من المهنية والعدالة في الفرض) لخفض أسعارها، خلاف فوائد أخرى. وللفائدة، أكثر التقديرات التي قرأتها عن حجم هذه الرسوم، وعن قدر الانخفاض في الأسعار مبالغ فيها. موضع نقاشات مستقبلية، وبالله التوفيق.
إنشرها