Author

ماذا لو فشلت الرسوم على الأراضي البيضاء؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
إنه الاحتمال الأقرب للحدوث حسب ما صدر عن وزارة الإسكان، من أن الرسوم على الأراضي البيضاء سيقتصر تطبيقها في البداية فقط على بعض المدن التي تعاني أكثر من أزمة الإسكان، وزادت أيضا أنه سيتركز فقط على الأراضي السكنية داخل تلك المدن، وذهبت إلى أبعد من ذلك باشتراط توافر (جميع) الخدمات للبنى التحتية حول تلك الأراضي! مع الأخذ في الاعتبار بقية الضوابط الأخرى التي ستأخذ بها وزارة الإسكان حال تطبيق الرسوم على تلك الأراضي، كموقع قطعة الأرض داخل المدينة، زائد عامل الكثافة السكنية، إضافة إلى تحديد مساحة الأرض التي سيطبق على الرسوم، وفقا لما تراه اللجنة المشكلة لتطبيقها برئاسة وزير الإسكان وفقا للاحتياج، فقد تبدأ مساحات تلك الأراضي من عشرة آلاف متر فأكثر أو من مساحة 50 ألف متر فأكثر! حسنا؛ لنوجه الأسئلة التالية: (1) ما المدن والمحافظات في رأي وزارة الإسكان التي لا تعاني أزمة الإسكان في البلاد؟ (2) ما المعايير التي ستعتمدها وزارة الإسكان للحكم على أن هذه المدينة تعاني أزمة إسكان، وغيرها من المدن لا تواجه هذه الأزمة؟ (3) كم تمثل نسبة مساحات بعض المدن التي سيطبق عليها الرسوم من إجمالي مساحات المدن والمحافظات كافة؟ (4) كم تمثل نسبة مساحات الأراضي السكنية من إجمالي الأراضي البيضاء داخل تلك المدن التي سيطبق عليها الرسوم؟ (5) هل لدى وزارة الإسكان الضمانات الكافية لعدم انتقال الأموال المضاربية في السوق العقارية من الأراضي المقرر عليها رسوم، إلى الأراضي المعفاة من الرسوم؟ (6) أيضا، هل لدى وزارة الإسكان الضمانات الكافية لعدم تدفق الأموال المضاربية سريعا من المدن "التي تعاني أزمة الإسكان" إلى المدن "التي لا تعاني الأزمة"؟ (7) هل لدى وزارة الإسكان الاحتياطات الكافية لأية تذبذبات سعرية حادة محتملة في سوق العقار، تحت هذا التمييز بين مواقع وأخرى؟ ليست مبالغة على الإطلاق، إذا قلت إن وزارة الإسكان وفق هذه الخطة التنفيذية لقرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء، كأنها تعطل تنفيذه أكثر من تطبيقه، وتتسبب في منع الوصول بنا إلى الهدف الرئيس من إقراره، بل إنها بكل أسف قد تتوغل بالبلاد والعباد في نفق أزمة الإسكان مسافة أبعد بكثير مما وصلنا إليه اليوم! وليس بعيدا على الإطلاق حال حدوث كل ذلك، ومع زيادة اضطراب السوق العقارية، وزيادة أكبر في تحديات أزمة الإسكان، أن ترتفع الأصوات العقارية المعروفة بموقفها المحارب أصلا لقرار فرض الرسوم على الأراضي، لتطالب بسرعة إلغاء الرسوم على الأراضي البيضاء، والعودة بنا إلى المربع الأول من خريطة أزمة الإسكان، غير أنهم هذه المرة حاملون في أيديهم (دليل إثبات) على فشل الرسوم على الأراضي البيضاء، وتنصيبه كبعبع أمام كل من يطالب بها مرة أخرى! دون حتى البحث أو التقصي، فيما إذا كانت التجربة تطبيقا فعليا وشاملا وحازما لقرار فرض الرسوم، أم أنه لم يتجاوز بهذه الصورة التي تنوي وزارة الإسكان تطبيقها، مجرد تطبيق أقل حتى من وصفه بالتطبيق الجزئي، لم يتجاوز حدود انتقائية وزارة الإسكان تجاه أزمة تنموية حادة، شملت بآثارها السلبية أرجاء البلاد كافة، وتلظى بنارها أغلب أفراد المجتمع السعودي. على وزارة الإسكان أن تعلم تمام العلم (وهي تعلم في الأصل)، أن المستوى البالغ التعقيد الذي وصلت إليه أزمة الإسكان لدينا، تجاوز كثيرا منطق حلول التجربة بالصح والخطأ، وهو المنطق الذي مضى على العمل به نحو عشرة أعوام مضت، وها نحن نجني بأسف شديد ثمار فشله جميعا دون استثناء، في الوقت الذي تأكد فيه بنسبة 100 في المائة لدى وزارة الإسكان قبل غيرها من الجهات والأطراف، أن احتكار الأراضي داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات، واستحواذه على أكبر من نصف مساحاتها هو السبب الرئيس وراء أزمة الإسكان، والسبب الأول وراء التضخم الكبير في أسعار الأراضي والعقارات السكنية والتجارية على حد سواء، وتأكد لديها دون أدنى شك أن أزمة الإسكان ليست لا من قريب أو بعيد متمثلة في (شح) الأراضي كما يروج لها تجار الأراضي والعقار، بقدر ما أنها في الحقيقة (تشحيح) حقيقي وفعلي لها؛ نتج فقط عن اتساع دائرة الاحتكار على أغلب مساحاتها، وتأكد لديها أيضا أن المضاربة والتدوير الهائل للمليارات من الريالات على أقل من عشر تلك الأراضي، يقف وحيدا خلف هذه الوتيرة المتصاعدة للأسعار السوقية، وتأكد لديها أيضا أن هذا التضخم السعري انعكس بآثاره السلبية على أثمان تلك الأراضي المحتكرة والمنتجات العقارية وتكلفة إيجاراتها، وتأكد لديها بما لا يدع مجالا للشك أن العلاج الأول والأثقل وزنا يبدأ من تفكيك الدائرة المغلقة للأراضي المجمدة المحتكرة داخل المدن، ولا يوجد في الوقت الراهن أداة فاعلة لتحقيق كل ذلك سوى الرسوم عليها، الذي سيضغط على ملاكها إما بتطويرها أو التخارج منها، كلا الأمرين سيسهمان في توازن قوى السوق العقارية، وفي عودة الأسعار المتضخمة إلى مستوياتها العادلة، التي تعكس باستقلالية وحرية أفضل حراك قوى العرض والطلب في السوق، لا كما هو قائم في الوقت الراهن، مواجهة لا يتحقق فيها أي درجة من المنافسة، تتصادم خلاله قبضة حديدية للاحتكار (العرض) مع احتياجات متصاعدة للطلب، إلا أنها أقرب للعجز على مستوى الدخل والقدرة الائتمانية، التي وصل خلالها هذان العاملان في جانب الطلب حتى آخر ريال في جعبتها. صدقا؛ يتركز النظر والاهتمام في الوقت الراهن (لا يتجاوز 30 يوما) على كل من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ومجلس الشورى، بضرورة أن تترجم تماما آليات قرار الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات والمراكز، مع الهدف الرئيس الذي لأجله تم إقرارها من لدن مجلس الوزراء الموقر، وقبله مع تطلعات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التي انصبت على العناية والاهتمام بتلبية احتياجات أفراد المجتمع السعودي. لعل من أهم ما يجب التذكير به في هذا الصدد، أن تتسم تلك الآليات بما يلي: (1) شموليتها لجميع المناطق الإدارية الثلاثة عشر، بما فيها المحافظات (أ). (2) شموليتها الأراضي البيضاء كافة داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات والمراكز، بغض النظر عن توافر الخدمات من عدمه أو بقية الاعتبارات التي صرحت بها وزارة الإسكان، كون تلك الاعتبارات لا تنطبق على أغلب تلك الأراضي، التي رغم افتقارها شبه التام إليها، لم يمنع من التضخم الهائل في أسعارها السوقية بالصورة الخطيرة التي وصلت إليها اليوم! (3) أن يبدأ تطبيق الرسوم على الأراضي وفق الشرطين السابقين للمساحات 5.0 آلاف متر مربع فأكثر، ودون النظر إلى كونها سكنية أو تجارية. (4) أن يتم احتساب الرسوم حسب ملكية الأفراد للأراضي كمجموع، خاصة داخل المدينة الواحدة، فقد تجد أحدهم يمتلك عشرات أو مئات القطع من الأراضي بمساحات أدنى من 5.0 آلاف متر مربع، إلا أن مجموعها الإجمالي يفوق عشرات أو مئات الآلاف من الأمتار. (5) أن يتم الأخذ في الاعتبار القيمة السوقية للأراضي حال تحديد الرسوم عليها، وليس أفضل في هذا الجانب من احتسابها كنسبة من أحدث تثمين أو تقييم لها. (6) أن يرتبط تاريخ تحصيل الرسوم بموعد سنوي ثابت كنهاية العام المالي، يتم تحصيله من المالك الأخير. والله ولي التوفيق.
إنشرها