Author

اكتمال حلقات الحل لسوق معقدة

|
مرت مدة طويلة منذ أن اندلع النقاش حول ضرورة إيجاد حلول ناجعة لمشكلة الإسكان في المملكة، لقد كانت المشكلة تدور حول محاور عدة: الأول، في عدم الاعتراف الحكومي بوجود سوق تحتاج إلى تنظيم وإشراف مباشر من الحكومة. والثاني، في وجود نمو قوي في عدد الأسر السعودية الصغيرة الشابة مع عدم قدرة هذه الأسر على الحصول على سكن؛ ما أثر في جانب الطلب. والثالث، كان في جانب العرض الذي ظهرت عليه بوادر الاحتكار والسيطرة لإيجاد فقاعة أصول. ارتكزت الحلول بداية على تحفيز الطلب بإيجاد مصادر جديدة ومتعددة لتمويل الأسر، وقد تحقق هذا بزيادة قروض صندوق التنمية العقارية، ثم السماح للمصارف بتمويل شراء العقار السكني، وحلول أخرى تمويلية متعددة. وجاء الحل الثاني بالتوسع في الدور الحكومي بهذا الشأن من خلال إيجاد مؤسسة مستقلة تهتم بهذا الموضوع، وفعلا أنشئت الهيئة العامة للإسكان، التي تم تحويلها فيما بعد إلى وزارة الإسكان. لكن بقيت مشكلة جانب العرض التي تفاقمت مع تدفق الأموال إلى هذه السوق في وجود ظاهرة احتكار القلة، ومن ثم باتت الحلول عرجاء أمام مراهنة تجار العقار على استمرار زيادة الأسعار؛ نظرا لوجود طلب قوي جدا يقابله دعم حكومي سخي مع التصريح بذلك في كل مرة يفتح فيها نقاش عن العقار. ثم تحول الأمر إلى تباطؤ في عملية تطوير الأراضي البيضاء، من أجل استمرار النمو في الأسعار وتحقيق أرباح ضخمة من هذا الاتجاه، لهذا كان لا بد للحكومة أن تهتم بجانب العرض مباشرة. وجاء الحل بقرار مجلس الوزراء في جلسته أمس، بفرض رسوم على الأراضي البيضاء وإحالة مشروع الترتيبات التنظيمية لذلك ـ الذي أشرف على إعداده مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ـ إلى مجلس الشورى لدراسته وفقا لنظامه، والانتهاء من الدراسة خلال 30 يوما. فبمجرد صدور تنظيمات رسوم الأراضي البيضاء ستكتمل حلقات الحل لهذه السوق المعقدة ومن ثم حل مشكلة الإسكان وبطريقة اقتصادية بحتة وهو المطلوب. فهناك سوق متكاملة الآن، سوق فيها نمو قوي في جانب الطلب مع توازن في جانب العرض تشرف عليه وزارة حكومية مستقلة. هنا في "الاقتصادية" تحدث كثيرون حول مشكلة الإسكان من خلال مقالات وندوات وتقارير عدة، وأجمع الجميع على أن حلها بشكل جذري يجب أن يكون بحل المعضلة الاقتصادية التي نشأت من عدم توازن جانبي العرض والطلب، لذلك يأتي قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء ليكون محركا ومحفزا حيويا للسوق العقارية في المملكة، فمشكلة العرض في سوق العقار في المملكة هي مشكلة مصطنعة تماما، فالمملكة لا تنقصها الأرض، فهي دولة شبه قارة، المدن تمتد أفقيا بشكل ملحوظ، وهذا التمدد الأفقي جاء بسبب الفجوات العقارية بين الأحياء، كما صرح بذلك وزراء الإسكان تباعا، وأمناء المناطق في كل مناسبة بهذا الشأن. هذه الفجوات يملكها أفراد أو مؤسسات دون أهداف واضحة من هذا الاحتكار أو خطط للتطوير، وأصبح الهدف هو تنمية الثروة إذا ارتفعت أسعار هذه الأراضي كلما تجاوزتها الخدمات إلى ما بعدها وأحاطتها الطرق السريعة من كل جانب. فهذه الأراضي البيضاء تسببت إذا في ظاهرة احتكار مضرة من عدة نواح، ففضلا عن إرهاق المواطنين برحلات طويلة للوصول إلى أعمالهم مع وجود أراض لم يتم تطويرها واستثمارها، فهي تتسبب في اختلالات هندسية لنمو المدن وصعوبة تمويل الخدمات، وأيضا في اختلالات واسعة النطاق في السوق العقارية، ما صنع مشكلة الإسكان وبالتالي ظهور مشكلات اجتماعية وأسرية واسعة، ومهما كانت محاولات الدولة لضخ المزيد من التمويل فإن هذا الاحتكار يمتص الزيادة في التمويل على شكل زيادة الأسعار، وبالتالي استمرار تضخم ثروات فئة محدودة من المجتمع دون وجه حق، مع بقاء مشكلة الإسكان والخدمات عالقة بلا حل. 30 يوما ومجلس الشورى هي ما بقي أمامنا لاستكمال الإجراءات النظامية للحل النهائي، فالمقترح كما أشار إليه وزير الإسكان هو تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء بمبلغ لا يتجاوز (100 ريال)، للمتر المربع الواحد لتشجيع الملاك على تطوير أراضيهم وبالتالي المساهمة مع المجتمع الذي هم جزء منه على حل مشكلة الإسكان والمحافظة على التوازن بين العرض والطلب، والحد من الإنفاق الحكومي الناتج من التمدد السكني. ونظرا لأن هذه التجربة الأولى لنا في سياسة رسوم الأراضي البيضاء، فإن المرونة في الإجراءات وتحديد سقف الرسوم، كما هو متاح لدى هيئة السوق المالية، سيكونان عاملين حاسمين في نجاح التجربة.
إنشرها