ليكن الناصح مثالا يحتذى

يعرف أغلبنا القصة التي سأل فيها أحدهم الإمام الغزالي عن حكم تارك الصلاة، فقال له الشيخ: حكمه أن تدله على المسجد. توقع الرجل من الشيخ أن يكفر أو يفسق أو يصدر حكما بالخروج على الدين، لكن الشيخ أثبت أن الإسلام دين يعتمد على تقدير أحوال الناس وإعانتهم على الطاعات دون الوصول لأحكام قطعية لا تراعي تلك الأحوال.
هنا يتبادر للذهن سؤال مهم وهو: هل نحن موكلون بالشق عن صدور الناس ومعرفة أسباب عدم حضورهم الصلاة أو عدم ممارسة أي من الالتزامات الدينية الواجبة على الجميع؟ إن التوجه نحو الحكم لم يكن من هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يتخول الناس النصيحة، أي يبحث عن الأوقات والمناسبات الملائمة لتقديم النصح أو توجيه أصحابه.
لعل ما يهمنا هنا هو الممارسة التي تجعل من الناصح مثالاً يحتذى. فعندما تنصح بأمر ثم تخالفه فأنت تدخل خانة النفاق وهي خانة أعظم خطرا من ارتكاب فواحش أخرى. عندما أتحدث عن القدوة، أتحدث عن ميدان العبادات والمعاملات. فمن يحرم على الناس الغيبة ثم يمارسها، ذنبه أكبر ممن يمارسها ويستغفر الله معترفا بخطئه. وقس على ذلك كل الذنوب التي يمكن أن تقع.
ثم إن من الناس من ادعوا أنهم وكلاء لله في أرضه وبدأوا يمارسون الهيمنة على مصائر المسلمين ويكفرون ويفسقون. جاء من هؤلاء أقوام مكنهم الله في بعض الأرض، فعاثوا فيها فساداً؛ بل إنهم التفتوا لتقتيل المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، ويمسكون عمن يجاورونهم من الكفار، حتى وإن بغى عليهم الكفار. فمن أين أتى هؤلاء بمعاييرهم الخبيثة الفاسدة المبنية على القتل والتشريد والسبي لنساء المسلمين؟
جاءت بعد ذلك التمكين، معاص أكبر وإذلال أعظم وممارسات تخالف الشرع الحنيف، إذ قام هؤلاء بتعليق رؤوس القتلى والتمثيل بالجثث وتلكم ممارسات لم يفعلها محمد بن عبدالله في أي من أعدائه، بل إنه استنكرها وعدّها من خوارق المروءة والإنسانية.
تلكم هي "داعش" التي تمارس عمليات وتنشر ممارسات وكلاما لا يمت للإسلام بصلة، ويتبجح المنتمون إليها بأنها هي الإسلام وممثلته، والله يشهد أنها أبعد ما تكون عن أخلاق وقيم ومبادئ الإسلام البريء كل البراءة منها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي