الأندية الأدبية السعودية .. أضاعت «مشيتها» ومشية الثقافة

الأندية الأدبية السعودية .. أضاعت «مشيتها» ومشية الثقافة
الأندية الأدبية السعودية .. أضاعت «مشيتها» ومشية الثقافة
الأندية الأدبية السعودية .. أضاعت «مشيتها» ومشية الثقافة

شمولية الثقافة واحتواؤها على أدب ولد وترعرع بين سوقي عكاظ والمربد، اللذين كانا دافعا لتأسيس أندية أدبية تحيي سيرتهما منذ 1395 هـ حتى اليوم. أضاعت طريقها بحسب البعض للعناية بأمور ثقافية وقضايا فكرية أوسع تتعدى نتاج الأدب، الذي تميزت به منذ تأسيسها، وفي الوقت ذاته لم تستطع تقديم ما يحسب لها بالمعنى الشامل للثقافة.

وبينما هناك من المطالبات ما يشدد على ضرورة دمج "الثقافة" بـ "الأدب" من خلال إيجاد صيغ جديدة تستوعب المعطيات الجديدة التي فرضها عصر الاتصال الإلكتروني. هناك في المقابل من يرى حاجة الأدب إلى هذا الفصل، ولو إجرائيا لاستعادة بعض التوازن والحركة في المشهد العام، من حيث الإنتاج الأدبي وفاعليته.

ورطة الأندية

وعن طبيعة مثل هذا الإجراء الذي يفصل بين الثقافة والأدب يقول القاص محمد الناصر أحد المؤيدين للمضامين التقليدية للأندية الأدبية: "هو ضرورة لوضع حدود ومعايير يمكن من خلالها التعاطي مع المثقفين والأدباء موضوعيا بحسب ما يقدمونه للمشهد الثقافي عوضا عن أي مسميات أكاديمية أو صحافية لا تمت لقيمة المنتج الإبداعي بصلة".

وعن مساوئ تعميم الشأن الأدبي الخاص وتداخله بالثقافي العام يضيف الناصر أن الأندية الأدبية كمؤسسات إبداعية تورطت تبعا لهذا التعميم في صراعات بين أفراد وتيارات ذات توجهات مختلفة وبالتالي أقحمت فيها بحجة "دور المثقف" ومسؤولياته الاجتماعية. فبعد أن كان النقاش يدور في الماضي حول "ديوان شعر" أو "رواية" من حيث مضامينها الإبداعية أصبح الجدل، برأي الناصر، يتجاوز هذه المضامين ليتعلق بموقف الأديب أو الأديبة الشخصي من قيادة المرأة للسيارة أو من بعض الجهات أو الظواهر الاجتماعية في البلد.

مأسسة الاجتهاد

#2#

أما الأستاذ الدكتور سعد البازعي – عضو مجلس الشورى - فعلى العكس، وعن تجربة عملية، يؤيد إنشاء مراكز ثقافية شاملة تقدم وتدعم الفنون والثقافة بأنواعها كافة، الأدبي وغير الأدبي، لكن حتى يتحقق ذلك يرى أن ما تفعله الأندية الأدبية، أو بعضها، يتجاوز الأدب إلى الثقافة بوجه عام.

ومن واقع تجربته يضيف البازعي أن موقعه سابقا كرئيس ناد أدبي وقبله عضو مجلس إدارة ومشارك شبه دائم في النشاط، يدرك من خبرته أن الأندية الرئيسية على الأقل هي أندية ثقافية، قائلا "نادي الرياض مثلا فيه حلقة فلسفية ويقدم محاضرات عن فن الخط ويقيم معارض تشكيلية، وسبق أن قدم النادي مهرجانا سينمائيا.

نوادي جدة والشرقية وحائل أيضا خرجت عن إطار الأدب"، مضيفا أن هذا كله يظل في إطار الاجتهاد، فنحن أحوج إلى مؤسسات تقول أنظمتها أن عليها دعم الثقافة بصورها كافة وليس فقط من خلال تسمية النادي بالثقافي، منوها إلى أنه من الطبيعي أن شمولية الثقافة لن تضر بالأدب بل ستثريه بتجاوره مع الفنون الأخرى ومع الفكر والعلوم الإنسانية.

قصور الأدب

#3#

ويرجع سعيد الدحية الزهراني الأستاذ المحاضر في كلية الإعلام والاتصال في جامعة الإمام أصل الإشكال إلى قصور جانب الأدب في تحقيق الإشباعات أو الغايات التي ينتظرها منه المتلقي سواء كان قارئا لصحيفة ثقافية أدبية أو عضوا متابعا ومهتما بأنشطة الأندية الأدبية، واصفا الجدل القائم اليوم بالواقعي، ومتمثل في كثير من المنابر المعنية بهما حتى الصحافة "الثقافية الأدبية"، مضيفا أن الأدب بوصفه المؤطر ضمن دوائر أجناسه المعروفة لم يعد يحرض على التفاعل والتعاطي مثلما كان الحال في الثمانيات الميلادية وفق ما تنقل لنا مصادر التوثيق ووفق ما يروي المخضرمون في هذا السياق، وهذا بالتالي يعود إلى اتساع مدى الأفق في المرحلة التالية لها ووجود مسارات بدائلية أكثر إغراء واستمالة وأكثر إشباعا وفق النظرية الإعلامية الشهيرة "الاستخدامات والإشباعات".

وألقى الدحية بحبائل الاتهام على عصر الاتصال الإلكتروني التي أظهرت الإشكال أو الخلل بصورة أكثر وضوحا حين دشن الإنترنت عصر الثورة المعلوماتية أو الانفجار المعلوماتي، وهو ما دفع بمنصات أو منابر تقديم الأدب جماهيريا إلى ضرورة البحث عن منافذ قادرة على تمكينها من أداء وظيفتها والمحافظ على أقل تقدير على الحد الأدنى من المتابعين أو المهتمين الذين هم في حقيقة الأمر قلة قليلة لا تحقق القدر المعتبر للنجاح، قائلا "مع التسليم في هذا السياق بنخبوية الحقل إلا أننا في واقع الحال بتنا أمام أداء محزن لم يشفع معه حتى الاتجاه إلى الأفق الثقافي الأعم بتفريعاته المتنوعة وعدم الاقتصار على سياق الأدب منفردا".

ويتصور الدحية أن الإشكالية أجل من جدل الثقافي والأدبي، فالمشهد كاملا بحاجة إلى إعادة صياغة جديدة تستوعب الغايات والمعطيات والمتطلبات التي تفرضها أجيال الفضاء الإلكتروني، داعيا وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي إلى تبني مشروع إنتاج رؤية ثقافية شاملة تكون قادرة على بلورة حالة وطنية معرفية إنسانية جادة وفاعلة، لافتا إلى أن أحد أهم أركان المشروع الثقافي المأمول يتمثل في لم شتات مؤسسات الثقافة والأدب والتأليف والفن ضمن صيغة واحدة بأهداف واضحة وأجندة عمل محددة.

قضية عالقة

أما الأديب والكاتب حسن الشيخ فيقول إن إشكالية الفصل بين الأدب والثقافة أو المزاوجة بينهما من القضايا العالقة على الساحة الثقافية المحلية منذ عقود من الزمن، متسائلا إن كنا بحاجة حقيقية إلى تبني المفهوم الشامل أم الفصل بينهما، فالخريطة الثقافية تحتاج إلى قراءة متمعنة لتتخذ المؤسسات قرارا بتبني أحد الجانبين.

وأشار إلى أنه من الصعب الفصل والدمج بين هذين المفهومين، لما في ذلك من جذور تنظيمية ليس من السهل اقتلاعها، ودليل ذلك هو حين نقرأ الساحة الثقافية، سنجد مؤسسات رسمية تعنى بالثقافة العامة بما فيها الفنون والمسرح والسينما، كما هو حال جمعيات الثقافة والفنون لدينا.

وهناك مؤسسات أخرى تعنى بالأدب كما هو حال الأندية الأدبية، كاشفا عن مطالبته بدمج الأخيرة بجمعيات الثقافة والفنون لإنتاج ثقافة شاملة.

كما يرى الشيخ أننا أحوج إلى قراءة الاستراتيجية الشاملة التي تتبناها وزارة الثقافة والإعلام وأن يكون قرار الفصل أو الدمج بين الأدب والثقافة قائم على مبررات منطقية، ودراسة علمية ترتكز على قراءة الخريطة الثقافية والاطلاع على الاستراتيجية الشاملة التي تتبنها الوزارة كي يكون قرارا ناجحا ومؤثرا، وليس مجرد وجهات نظر لبعض الكتاب والأدباء والمثقفين.

صناعة الإنسان

يشجع مردوك الشامي الإعلامي والشاعر السوري - المقيم في السعودية – التلاحم الموضوعي بين الثقافة والأدب رافضا أن تكون الأندية منابر للجاهز من النتاج الشعري والقصصي والروائي، أنا مع أن تسهم في إيجاد حالة أدبية ثقافية واعية ترسم التجديد وتكرس التطوير، وتسهم في صناع ليس الكتاب والقصيدة فحسب، بل في صناعة الإنسان ككل.

ويؤكد أننا أحوج ما نكون إلى الجمع، وليس إلى الفصل، ثم من الذي يقدر على تحديد المعايير للأديب أو الشاعر أو المبدع عموما، ميزة الإبداع خروجه عن المعايير، وإلا كنا جميعا لا نزال تحت عباءة المتنبي، وخيمة بشار بن برد، ثم من حصر الثقافة بالشهادة الأكاديمية، وأن يكون المثقف خريج جامعة، أو قادرا على كتابة رأي في صحيفة، أو خاطرة في منتدى افتراضي؟، لو تابعنا ما يكتب من آراء في الصحف، فكرية أو ثقافية أو حتى سياسية، لوجدنا خلفها أدباء وشعراء ومسرحيين وروائيين، هؤلاء هم اليوم داعمو الكتابة الصحافية الحقيقية قبل الأكاديميين وسواهم.

ويختتم الشامي حديثه بالقول "ليس علينا الحجر على الأندية الأدبية ووضعها في خانة ضيقة، حيث لا تتسع سوى للشعراء والعاملين على اللغة، فالأندية الثقافية مواقع فكرية ومعرفية، وجدت لإثراء الثقافة، وبالتالي هي أيضا مواقع ثقافية بامتياز".

الأكثر قراءة