«لننقذ سورية» .. مبادرة عربية تستلهم عقلانية «المؤتمر العام» قبل 95 عاما

«لننقذ سورية» .. مبادرة عربية تستلهم عقلانية «المؤتمر العام» قبل 95 عاما
«لننقذ سورية» .. مبادرة عربية تستلهم عقلانية «المؤتمر العام» قبل 95 عاما

يتوق الشعب السوري اليوم لإطلالة وتدابير عقلاء تماثل تلك التي حدثت له في الثامن من آذار عام 1920 حين أطل النائب محمد عزة دروزة على الجماهير التي اكتظت بها ساحة المرجة أمام مبنى بلدية دمشق، تالياً البيان الختامي الذي عرف باسم بيان المؤتمر السوري العام (1919-1920) ملخصا جهود سنة من المداولات المكثفة بغرض حقن الدماء. وبمشاركة نواب عن كافة المناطق السورية. واستلهاما لذلك النجاح ولتلك العقلانية التاريخية جاءت ما يمكن أن يُطلق عليها بذرة أو ورقة عمل ببنود واضحة ومحددة من قبل أربع خبراء سياسيين عرب نُشرت يوم الجمعة الفائت في صحيفة الشرق الأوسط بعنوان "ليقرر السوريون مستقبلهم".

"بذرة" عمل

#2#

اشترك في إعداد هذه الورقة أربعة قادة سياسيين، لهم باع طويل في الممارسة الدبلوماسية والسياسية، وخدمة بلدانهم والأمة العربية في مواقف وتجارب دولية عدة. وهم على التوالي تركي الفيصل رئيس مجلس الإدارة - مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، عبد الإله الخطيب وزير الخارجية الأردني السابق، عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية السابق، ومحمد السالم الصباح نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الكويتي السابق. وفي هذه الورقة المقتضبة في عدد كلماتها، بعيدة النظر في مغزاها الحاضر والعميقة بدلالاتها التاريخية، يعرض المشاركون، عن سابق خبرة ودراية، أسبابا تقرأ الوضع الحاصل وتوصيات تقترح مخرجا يقوم على مؤتمر سوري مشترك تحت مظلة الأمم المتحدة وبرعاية دولية وإقليمية لا تستثني أحدا من مكونات الشعب السوري. تماما كما حصل في المؤتمر العام السوري قبل 95 عاما الذي شارك فيه ممثلون عن كل محافظة وإقليم في ظروف استثنائية شهدتها المنطقة والعالم بعد عقود من المقاومة العربية للإمبراطورية العثمانية وإثر حرب عالمية أولى كانت تنذر بأطماع وتدخلات غربية وإقليمية قادمة.

مدخل حل
ستة مقترحات أطلقتها هذه المبادرة السياسية لاحتواء الموقف المتفاقم من أجل مصلحة سورية والمنطقة وتنص على:
- يَدَّعي كل من يناصر النظام من الدول والأحزاب، ومن يقف ضده، أن القرار للشعب السوري في تقرير مصيره، لذا يجب على الجميع ترك الأمر للشعب السوري لاختيار ممثليه في هذا المؤتمر الوطني وعدم التدخل في خياراته.
- تبنِّي الأمين العام للأمم المتحدة بالتشاور مع الجامعة العربية مقترح عقد مؤتمر وطني تأسيسي سوري يجمع ممثلي الشعب السوري لتقرير مصيرهم، وإقناع مجلس الأمن باستصدار قرار حسب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار بين قوى النظام ومعارضيه مدة ستة أشهر ليتسنى للسوريين اختيار ممثليهم انتخابًا أو توكيلاً، وعقد مؤتمرهم.
- تشكيل هيئة دولية مستقلة لوضع كافة الإجراءات الضرورية لعقد هذا المؤتمر، ووضع الآليات الضرورية لضمان تمثيله للسوريين.
- يجتمع ممثلو الشعب السوري في مكان محايد مدة ثلاثة أشهر، ولا يشارك في إدارة المؤتمر ووضع أجندته ومداولاته ومقرراته سوى ممثلو الشعب السوري.
- تأييد كافة الدول المنضوية في مجموعة أصدقاء سورية، وتلك التي تدعم النظام السوري، لمباركة هذا المؤتمر والالتزام بنتائجه ما دامت تعبر عن إرادة السوريين، وإعلان التزام هذه الدول بتقديم كل المساعدات المطلوبة لإعادة إعمار سورية، ومساعدة شعبها على العودة إلى حياته الطبيعية، ومداواة جراحه العميقة ليعود فاعلاً في محيطه وعالمه.
- إقرار مجلس الأمن مخرجات هذا المؤتمر بقرار ملزم حسب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يعاقب من لا يلتزم بتنفيذ هذه المخرجات بكافة الوسائل التي تجبره على الانصياع لتنفيذها.

فرز قِوى
وحتى تفنّد هذه الورقة كثيرا من ادعاءات ومبررات النظام وبعض القوى الإقليمية والدولية إذ يحتجون غالبا بـ "اختراقات قوى إرهابية"، واضعين هذا الطرح كحجر عثرة أمام تطلعات الشعب السوري وسلامته. فإن الورقة تراهن من جهتها على أنه "عند اتفاق السوريين على حل قضيتهم يصبح الفرز واضحًا لكافة القوى الموجودة على الساحة السورية، ما يسهل النجاح في الحرب على الإرهاب ويعطيها مشروعية لدى جميع القوى في المنطقة". وهو ما قام عليه أيضا المثال التاريخي الموفق الذي استمدت منه الورقة تطلعاتها وأمانيها بمستقبل واعد لسورية وشعبها.
إذ أشرك المؤتمر السوري العام قبل 95 عاما في قراراته كافة شرائح الشعب السوري وأقلياته ومناطقه. فكان له وللشعب ما أراد بعد عام ونصف العام فقط من "الثورة الأهلية" وما ألحقته من "أضرار عظيمة" أكد عليها بيان المؤتمر الختامي ما نصه: "وقد مضى عام ونصف، والبلاد لا تزال رازحة تحت الاحتلال والتقسيم العسكري الذي ألحق بها أضراراً عظيمة وأوقف سير أعمالها ومصالحها الاقتصادية والإدارية وأوقع الريبة في نفوس أبنائها من أمر مصيرها، فاندفع الشعب في كثير من أنحاء البلاد وقام بثورات أهلية منتفضاً على الحكم العسكري ومطالباً باستقلال بلاده ووحدتها".

إنقاذ سورية
ولكن أوضاع اليوم، التي لم يعد بالإمكان حتى مقارنتها بما قبل بيان "المؤتمر السوري العام"، تضع الجميع أمام صور أقسى وأشد. ليصبح من قبيل الترف وصفها بالأضرار العظيمة. فبعد أربع سنوات فقط من خروج كثير من الشعب السوري مطالبين بحريتهم وبمستقبل مختلف، انتهى الأمر، بحسب كثير من الإحصائيات الدولية، إلى قتل أكثر من ثلاثمائة ألف مواطن، وتشريد وتهجير أكثر من نصف الشعب. فضلا عن تنامي مناطق خصبة لاستقطاب الإرهابيين وتجنيدهم من شتى أنحاء العالم ما ينذر بقنابل انتحارية موقوتة يتجاوز خطرها المنطقة ليهدد العالم بأسره. قنابل لا يمكن إيقافها إلا بتحقيق الاستقرار الذي تستحقه سورية وشعبها على يد أبنائها وبمساعدة أصدقائها. وهذا ما تأمله اليوم هذه الورقة العربية بثقلها على المستويين؛ الشخصي والدبلوماسي لمعديها من جهة، وبثقل مرجعياتهم الوطنية والعروبية من جهة أخرى. حتى تنتقل هذه المبادرة من أروقة الصحافة والنوايا الصادقة لواقع العمل العربي. تمهيدا للوصول إلى نقطة اتفاق وإعلان مشترك ينقذ سورية وشعبها من هذه الأزمة مذكرا بما أعلنه المجتمعون من على شرفة بلدية دمشق قبل ما يقرب المائة عام: "نحن أعضاء هذا المؤتمر، رأينا بصفتنا الممثلين للأمة السورية في جميع أنحاء القطر السوري تمثيلاُ صحيحاً، نتكلم بلسانها ونجهر بإرادتها، وجوب الخروج من هذا الموقف الحرج، استناداً إلى حقنا الطبيعي والشرعي في الحياة الحرة، وإلى دماء شهدائنا المراقة، وجهادنا المديد في هذا السبيل المقدس، وإلى الوعود والعهود والمبادئ السامية السالفة الذكر، وإلى ما شاهدناه ونشاهده كل يوم من عزم الأمة الثابتة على المطالبة بحقها ووحدتها والوصول إلى ذلك بكل الوسائل، فأعلنا بإجماع الرأي استقلال بلادنا السورية".

الأكثر قراءة