ثقافة وفنون

«مقال اليوتيوب» .. نصوص بصيغة «الفيديو كليب» تستجدي شهرة كاتبها

«مقال اليوتيوب» .. نصوص بصيغة «الفيديو كليب» تستجدي شهرة كاتبها

«مقال اليوتيوب» .. نصوص بصيغة «الفيديو كليب» تستجدي شهرة كاتبها

"مقالات يوتيوبية" هذا ما يمكن أن توصف به البرامج التي بدأت فكرتها في التوسع والانتشار بدءا ببرنامج "وسم" للداعية سلمان العودة. وأخيرا "ضوء" للكاتب محمد الرطيان ومثله للكاتب صالح الشيحي وآخرون.   برامج وإن اختلفت فيما بينها في بعض تفاصيلها الصغيرة إلا أنها جميعا تعتمد في طرحها على نص الكاتب الذي لا يختلف عن نصوصه المعدة للقراءة، مضافا إليه الرتم السريع والمباشر لليوتيوب مع استخدام بعض المؤثرات الصوتية والبصرية لإعطاء النص حركيّة تفاعلية من وجهة نظر المخرج دون أن يؤخذ في الاعتبار مدى صلاحية هذا النص للإلقاء، فضلا عن تصويره وإدخال مؤثرات الهدف منها في الغالب الخروج من صورة الكاتب للحظات ثم العودة إليها من زاوية أخرى. زوايا متنوعة للكاتب وهو يقود سيارته أو يكتب أو يتأمل البحر، وما إلى ذلك من مشاهد مستهلكة، تذكرنا ببدايات الفيديو كليب الغنائية، في ظل حضور طاغ ومكثف للكاتب أو الداعية صوتا وصورة. إذ إنه لا يمكن للمخرج بحال من الأحوال التخلي عن فكرة ظهور صاحب النص خصوصا إذا ما علمنا أن حقيقة مثل هذه البرامج وما خصص لها من رعاية وتسويق تعتمد على شهرة هذا الكاتب أو الداعية أكثر من اعتمادها على المحتوى الذي يقدمه صاحب النص لذلك من الصعوبة بمكان لأي مخرج أو منتج مهما بلغت مهارته أن يستغني عن هذا الظهور وهذا "النجاح" المشروط والمضمون سلفا من قبل بعض الشركات بضمان عدد متابعي هذا الكاتب ومعجبيه. ولكن بحساب الأرقام ذاتها فإن هذا النجاح لم يكن بالقدر المأمول إذ لم تحقق المشاهدات والاشتراكات ما هو متوقع، مقارنة ببرامج أخرى أقل منها على مستوى المحتوى وشهرة أصحابها. #2# كوننا نعيش في "عالم الصورة" فهذا لا يبيح الانتقال الفج من عالم الكلمة إلى الصورة دون أي إدراك مسبق لضرورات وأبجديات هذا الانتقال. فالعلاقة البصرية والتصورات الذهنية والعقلية بين القارئ وأبجدية لغته ومدلولاتها الضاربة في عمق تاريخه وثقافته، سابقة لعلاقة القارئ بالكاتب وشهرته. لذلك هناك مستوى من التواصل البصري والرمزي لا يمكن تجاوزه مباشرة لعوالم الصورة ومدلولاتها وإيحاءاتها المختلفة شكلا ومضمونًا لمجرد مجاراة إيقاع العصر ومتطلباته التسويقية أو الدعائية. الإحساس بالكلمة المكتوبة وبتموجات معانيها على الورق أو على الشاشة بعيدا عن المؤثرات المرافقة أو عن شخص الكاتب ونبرات صوته أو ملامح وجهه التي غالبا ما خذلت الكثير منهم. فعالم الصورة يحتاج بدوره إلى كثير من المهارة والموهبة الخاصة به التي قد لا تتوافر لهؤلاء الكتاب. وبالعودة لطبيعة هذه النصوص بعيدا عن الأداء المشوب ببعض السقطات الفنية التي يتحملها الإنتاج والإخراج. نجدها نصوصا "وعظية" مباشرة تباسطت عن قصد لتناسب الوسيط الذي قدمت فيه بحجة تقديم الفائدة المباشرة. وهنا تتأكد مقولة شهيرة ومعروفة إعلاميا: "المحتوى هو الوسيط"، أو بشكل أكثر دقة، وبحسب العبارة التي صاغها مارشال ماكلوهان، عام 1964 "الرسالة هي الوسيط". ماكلوهان الذي ذاع صيته بعد مقولته الشهيرة عن أن العالَم أصبح "قرية كونية"، يرى أن المحتوى والوسيط وجهان لعملة واحدة. وبالتالي لا يمكن تجاهل الوسيط والإسقاطات التي يلحقها الوسيط الناقل بهذه الرسالة. علما بأن الغاية لا تبرر "الوسيط" خصوصا في مجالات الإبداع والفن. فلا حدود للوسائل والأفكار وطرق الإبداع والتجديد ولنا في كثير من المقاطع "الصامتة" المعبرة أسوة حسنة وأكثر قيمة. وتبقى الخلاصة، أن تحويل أي نص مكتوب، دون التمعن في مدى صلاحيته، ليكون نصا مشاهَدا، اعتمادا فقط على شهرة المؤدي وحضوره الاجتماعي أو الديني، لا على إمكاناته على مستوى الأداء، أمر يسيء للمكتوب والمشاهَد على حد سواء. تضر بالكتابة وطقوسها العريقة، فضلا عن عالم الصورة الغني بإبداعاته. وفي النهاية هو أمر لا يخدم الفكرة التي ستخرج حتما بعد كل هذا المحاولات التوفيقية المخلة بشكل باهت ومكرور.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون