نظرات في الفعالية أو الكفاءة الاقتصادية

فكرة الكفاءة أو الكفاية أو الفعالية Efficiency الاقتصادية تعد واحدة من أكثر الأفكار استعمالا في علم الاقتصاد. المعنى الأكثر شهرة لها يعني فعل الأحسن أو الأفضل بالموارد المتاحة، وهذا يفهم منه خلو الفعل أو التصرف من صفة الإسراف. تعريف الكفاءة بعبارات مثل "فعل الأحسن" لا يصلح للتحليل الاقتصادي، حيث الحاجة إلى استخدام عبارات ـــ مصطلحات ـــ ذات معان منضبطة أي محددة، يمكن التعبير عنها كميا، ولذا لابد من التعبير عن معنى الكفاءة بتعريف منضبط.
تعرف الكفاءة بالآتي: "توزع موارد "ثروات أو دخل أو إنتاج" الاقتصاد في مجتمع ما بين الأفراد أو القطاعات يعد كفؤا إذا لم يمكن وجود توزع آخر يجعل فردا أو قطاعا واحدا على الأقل من المجتمع في حالة أفضل ماديا دون الإضرار بآخرين". التعريف السابق وضعه عالم الاقتصاد والاجتماع الإيطالي بيرتو قبل قرن تقريبا. ويفهم من هذا التعريف أن التوزيع لا يعد كفؤا إذا كان ممكنا إعادة توزيع الموارد على نحو يجعل فردا واحدا على الأقل في حالة أفضل دون أن يضر ذلك بحالة الآخرين. هذا التعريف لا ينطبق على التملك أو الاستهلاك فقط بل ينطبق على الإنتاج أيضا، وفي هذه الحالة نقول إن توزيع الموارد على الإنتاج يعد كفؤا إذا لم يمكن وجود توزع آخر يجعل إنتاج بعض السلع والخدمات أكثر دون الإضرار بإنتاج سلع وخدمات أخرى.
مثال افتراضي بسيط: لدى طالب أقلام، بينما لدى طالب آخر كراسات. لنفترض أن الطالب الأول ليس لديه كراسة وهو بحاجة إلى عدد منها، وأن الثاني ليس لديه قلم وهو في حاجة إلى عدد منها. يعد هذا التوزيع للموارد "الثروة" غير كفء، لأنه يمكن إعادة التوزيع بطريقة تجعل كلا الطالبين في حالة أفضل. لنفترض من باب التسهيل أن ثمن القلم الواحد يساوي ثمن الكراسة الواحدة، وأن الطالب الأول تبادل مع الثاني قلما بدفتر: كلا الطالبين في حالة أفضل الآن، لذا يعد التوزيع الجديد أكفأ من القديم. الاستمرار في التبادل "إعادة التوزيع" يجعل كل طالب في حالة أحسن، إلى أن يصلا إلى توزيع لا يرغب كلاهما أو أحدهما في إعادته، وفي هذه الحالة نقول إنهما حققا التوزيع الكفء.
التعريف السابق للكفاءة يثير عدة نقاط للمناقشة أوجز أهمها:
1. قد يظن البعض أن إعادة توزع "أو تقسيم" الموارد لجعل فرد أو أكثر في حالة أفضل قد يظن أنه لابد أن يضر بطرف، ومن ثم فان الكفاءة بالتعريف السابق محققة دوما. هذا الظن غير مقبول، فعلى سبيل المثال: عقد البيع ينشأ منه إعادة توزيع يستفيد منها كلا الطرفين "البائع والمشتري". لكن هناك سؤال: هل الاستفادة متكافئة بين الطرفين أو أنها غير متكافئة كأن يكون المشتري مغبونا، بسبب طبيعة سوق السلعة ـــ كونها احتكارية مثلا ـــ والذي ينشأ منه أن تكون الاستفادة غير متكافئة؟
2. يلاحظ أن التعريف لا يتعرض للعدالة، أي أن التوزيع قد يكون عادلا وقد لا يكون سواء كان كفؤا أو لم يكن. مثلا: كيف حصل كل طالب في المثال السابق على ما عنده قبل إعادة التوزيع قضية لا شأن للكفاية بها.
3. بالنظر إلى أن تقدير الأفراد لمنفعة ما يشترونه تتفاوت، لذا فإن معيار تحديد كون الفرد في حالة أفضل تعتمد على تقديره، وليس على تقدير جهة أخرى.
4. إذا لم يتحقق التوزيع الكفء فانه ينشأ تعطيل لاستعمال بعض الموارد في حالة الإنتاج، وإسراف أو تبذير فيها في حالة الاستهلاك. هذا الإسراف بسبب غياب الكفاءة، ليس متطابقا بالضرورة مع معنى الإسراف عرفا.
5. هناك عوامل تعمل على إضعاف الاستفادة من بعض الموارد في العمل، أي أنها تسير ضد الكفاءة في الإنتاج والأداء.
رغم بساطة الفكرة إلا أنه كان لها تأثير كبير في التفكير الاقتصادي. جرى إثبات أن التوازن في السوق التنافسية يعطي توزيعا كفئا للموارد.
فكرة الكفاءة الاقتصادية ليست خالية من الانتقادات. مثلا قيل إن استقلال المستهلك عمليا في اتخاذ القرار موجود أحيانا بقدر ضئيل، لأن الشهوات والرغبات تتأثر إلى حد كبير بعوامل كالدعاية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي