مرمى الاستدامة .. بلا حارس

في العرف الرياضي، يشار إلى حارس المرمى بكونه نصف فريق، وذلك أيضا ينطبق على الشخص الذي يحافظ على جهود الاستدامة للشركات أو "نائب الرئيس للاستدامة"، حسب أفضل الممارسات. ومع الدور المحوري الذي يلعبه "حارس مرمى الاستدامة" فإن مرمى الاستدامة في السعودية بلا حارس سعودي!
ولعلي أشير أولا إلى بساطة المبدأ الذي تستند إليه الاستدامة، الذي ظهر كنتيجة للآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للنمو السكاني والاقتصادي، إذ يعتمد على التأكد من استمرارية ما نملكه لنا وللأجيال من بعدنا، وبذلك يعطي المفهوم مساحة أوسع لتحديد الاحتياجات التنموية، الذي يوضع على أساسه البرامج والخطط المسؤولة للشركات. وإذا سلمنا بأن "استدامة الشركات" تعكس دور القطاع الخاص في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للمجتمع الذي تعمل به، ولذلك تختلف احتياجات المسؤولية الاجتماعية من دولة لأخرى، إلا أنها لا تخرج عن دوائر الأهداف التنموية الألفية من الأمم المتحدة وقمة ريودي جانيرو عامي 1992 و2012 "حماية البيئة وحقوق الإنسان وحقوق العمال".
وفي السعودية، وعلى الرغم من أن الاحتياج التنموي الأول هو توطين الوظائف، الذي يرتبط باثنين من أهم التحديات التنموية، "البطالة والفقر"، إلا أن أرقام البطالة المعلنة لعام 2014، بحسب مصلحة الإحصاءات العامة، التي تصل إلى 11.7 في المائة وبالنظر إلى أن نسبة السكان العاملين قياسا إلى عدد السكان 35.7 في المائة، لا تتسق وجهود المسؤولية الاجتماعية للشركات المعلن عنها وبرامجها المعلنة كشريك وطني في توطين الوظائف!
إلا أن الصورة المعتمة لفاعلية برامج المسؤولية الاجتماعية، قد تتضح إذا أخذ في عين الاعتبار أن عددا من البرامج لا تعتمد القياس والاستمرارية. كما أن الشركات، يقوم بتصميم مبادراتها أشخاص غير متخصصين أو غير ملمين بأبعاد أثر تلك المبادرات في الشركة وفي المجتمع المستهدف على المديين المتوسط والأبعد. إضافة إلى أن عددا من الشركات يسلم المنصب على أسس المجاملة فأصبحت وظيفة مدير المسؤولية الاجتماعية في كثير من الأحيان "منصبا شرفيا لمن لا منصب له"!
ما تقوم به تلك الشركات هو بالضبط "تضليل" ومحاولة لـ"منطقة اللامنطق"! والمنطق هنا أنه لن تقطف السعودية ثمرة نجاح برامج تدعي أنها مسؤولة وهي موجهة في الأساس لأغراض إعلانية أو تعزيز صورة ذهنية أو نفذت بشكل سيئ.
مع الأسف، إن تداعيات محدودية وجود وصف وظيفي أو معايير لاختيار المختص في المسؤولية الاجتماعية، لم تلق بظلالها فقط على الأداء المسؤول للشركات، بل فتحت، أيضا، الأبواب على مصاريعها لظهور من يدعون أنفسهم مختصين في الاستدامة.
والساحة الإعلامية مليئة بنماذج أو أطروحات لا علاقة لها بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، مثل المسؤولية الاجتماعية أثناء الحرب، أو المسؤولية الاجتماعية للأفراد، أو حصر المطالبات بالدعم المادي للجمعيات الخيرية والفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة، أو المسؤولية الاجتماعية للجهات الحكومية! أو المسؤولية الاجتماعية الإسلامية، وغيرها من الأطروحات التي لا تتفق وأدبيات "استدامة الشركات" كمفهوم جديد في الإدارة، بإضافة البعدين البيئي والاجتماعي إلى البعد الاقتصادي.
بيت القصيد، كما أن للحارس المتمكن مواصفات بدنية وذهنية، هناك وصف وظيفي لحارس الاستدامة القادر على إجراء تغييرات حاسمة وجذرية في خريطة المسؤولية الاجتماعية والحفاظ على الجهود المستدامة للشركات.
بقى أن أقول، إن أردنا حصد إنجازات تنموية لفريق "الاستدامة" فلا بد أن نبحث عن "حارس مرمى" وطني "مؤهل" لحماية مرمى "الاستدامة" في كل شركة سعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي