تونس .. جامعي مُحب لـ «ريال مدريد» يتحول إلى جهادي قاتل

تونس .. جامعي مُحب لـ «ريال مدريد» يتحول إلى جهادي قاتل

في الظاهر، لم يكن سيف الدين رزقي من الذين يمكن أن يصبحوا مُتطرّفين - فهو مُحب لموسيقى الهيب هوب وكرة القدم، وغير معروف لقوات الأمن التونسية.
لكن بالنسبة لزملائه في جامعة القيروان، الرجل الذي أطلق النار على عشرات السيّاح الذين معظمهم بريطانيون على أحد الشواطئ التونسية الأسبوع الماضي كان واحدا من كثير من الناس الذين شاهدوهم على مدى أعوام يعتنقون الفكر الجهادي المُتطرّف.
حمدي بالوافي (29 عاماً)، طالب الفلسفة الذي كان يعرف الرزقي، يقول "سيف كان مثل أي واحد من مئات الطلاب الذين يأتون إلى هنا: طبيعيون تماماً، إلى أن يتحوّلوا إلى مُتطرفين".
يتذكر بالوافي أن الأمر بدأ بالحديث عن تنظيم القاعدة. "ثم قال إنه تعهد بالولاء للدولة الإسلامية - حتى إنه كتب ذلك على صفحته على "فيسبوك". كنت أسمع أصدقاءه يعترضون عليه بقوة بسبب قراره".
هجوم الرزقي، الذي أسفر عن مقتل 38 سائحا في مدينة سوسة الساحلية وأعلن "داعش" مسؤوليته عنه، كان الثاني الذي يتعرض له سياح أجانب في تونس خلال أربعة أشهر.
باعتبارها مصدرا للمتشددين الإسلاميين في الخارج منذ فترة طويلة - التونسيون يشكلون واحدة من أكبر مجموعات الأجانب الذين يقاتلون في سورية والعراق - فإن تونس نفسها تُصبح واحدة من أهداف المتطرفين.
مدينة القيروان، المركز الإسلامي القديم الذي يبعُد 60 كيلومترا عن مدينة سوسة، تمثل صدى رمزيا للمجموعات المُتطرفة ـ كثير من الناس في المدينة يتعاطفون مع الإسلاميين. والأكثر أهمية، كما يقول الطلاب، هو فرص الدراسة والعمل هناك التي تجذب الآلاف، مثل الرزقي البالغ من العمر 23 عاماً، من المناطق الداخلية الفقيرة والمُهمّشة في تونس.
وسط مدينة القيروان يبدو كأي وسط آخر في تونس خلال شهر رمضان. السكان يتجوّلون في الشوارع في المساء بعد الإفطار ويشربون الشاي ويشاهدون دليلك ملك، النسخة المحلية لبرنامج "صفقة أو لا صفقة". ومعظم الآلاف الذين يأتون إلى المدينة ينتقلون إلى ضواحيها، حيث عشرات المساجد التي تعتبرها الحكومة "خارج سيطرة الدولة" يُشتبه أنها تعمل على نشر الفكر المُتشدد.
ردّا على هجوم مدينة سوسة، أغلقت الحكومة 80 مسجدا غير مُسجّل في أنحاء البلاد التي يوجد فيها ما يُقدّر بـ 300 مسجد.
لكن مُحللون يقولون "إن هذه الخطوة ستغضب حتى الإسلاميين غير المُتطرّفين وربما لا علاقة لها بالموضوع، لأن من المرجح أن يتواصل المُسلّحون من خلال الإنترنت وعبر العلاقات الشخصية".
فادي الصعيدي، العضو في اتحاد الطلاب العام ذو الطابع العلماني في الجامعة، يقول "إن المشكلات الاجتماعية هي المسؤولة، مثل البطالة والتمييز ضد أولئك الذين من المناطق الفقيرة أو ذوي البشرة الداكنة". ويضيف طالب علوم الكمبيوتر البالغ من العمر 24 عاماً "الإسلاميون يتغذّون على هذه الانقسامات".
ويتابع "أحياؤنا الفقيرة هي خط الإمداد بالنسبة للجهاديين. دعونا نكون صرحاء - 80 في المائة من الشباب التونسي على الطريق المؤدي إلى التشدّد".
ويشكو الطلاب من أنهم لا يستطيعون تحدّي اتحاد الطلاب الإسلاميين القوي والمموّل جيداً، الذين يقولون "إن الرزقي كان عضواً فيه. حيث تقدّم المجموعة للطلاب الفقراء الأموال من أجل السكن والطعام، وحتى رصيد الهاتف الخليوي".
يقول بالوافي "نحن لا نملك ذلك النوع من الإمكانيات. بإمكان الإسلاميين نشر فكرهم ببطء، جنباً إلى جنب مع خبزهم".
طارق الكحلاوي، الباحث في الفكر الجهادي في تونس، يقول "إن الحالات التي مثل حالة الرزقي تُظهر كيف أن الخط بين ما يُعتبر سلوك الشباب الطبيعي والتطرّف قد أصبح غير واضح".
مثلا، يقول "إنه حتى وقت الهجوم كان الرزقي يتعاطي المخدرات، التي تعتبر مُحرّمة في الإسلام. كما نشر أيضاً على وسائل الإعلام الاجتماعية عن حبه فريق ريال مدريد ورقص البريك دانس، بينما كتب أيضاً على صورته على "فيسبوك" "إذا كان كونك مُجاهداً يُعتبر جريمة، فأنا مُجرم".
ويقول بعض السكان المحليين "إن الرزقي كان يعمل في مدينة سوسة مُنسق حفلات". وهذا من شأنه أن يمنحه نظرة إلى حياة السيّاح الأجانب التي ربما زرعت فيه بذور الإحباط، وفي الوقت نفسه الاستمتاع بالموسيقى التي كان يُحبّها فيما مضى.
يقول الكحلاوي "إن الأمر أشبه بانفصام الشخصية (...) لقد كان يتطوّر بسرعة كبيرة - أعتقد أنه من بداية عام 2014 - (كان يميل نحو) التعلّق بالمجموعات السلفيّة الجهادية".
ويقول الصعيدي، طالب علوم الكمبيوتر "على مدى فترة كانت تبدو كأنها شهران فقط، رأيته بشكل مفاجئ وقد بدأ يرتدي السروايل القصيرة التي يرتديها السلفيون وأطلق لحيته. سألته عن رقصه. وقال: (لقد تبت، الحمد لله). بالطبع كان لا يزال يواعد صديقته، الأمر الذي لا يُمكن أن يكون مقبولاً لدى السلفيين".
كثير من الناس في النخبة العلمانية في تونس يلقون باللوم في ظهور موجة التطرّف على صعود حزب النهضة، الحزب الإسلامي المُعتدل الذي فاز بالانتخابات الأولى بعد الإطاحة بزين العابدين بن علي في عام 2011. في وقت لاحق خسر حزب النهضة الانتخابات أمام حزب نداء تونس العِلماني. لكن الكحلاوي يقول "إن هذا يتغاضى عن الحقيقة بأن الجهاديين التونسيين يلعبون دوراً كبيراً في تنظيم القاعدة في العراق منذ عام 2006".
مايكل العياري، وهو باحث تونسي في مجموعة الأزمات الدولية، يقول "إن النخبة يجب أن تتقاسم المسؤولية لأنهم لم يفعلوا شيئاً يُذكر لإشراك الإسلاميين أو المليون ناخب الذين دعموا حزب النهضة. إنهم بحاجة إلى مناقشة هذه المشكلات، وليس إخفاءها والحفاظ على خطاب مجموعة نخبة صغيرة. دعوا الشعب يحلُم - أعطوهم البديل".

الأكثر قراءة