العالم

من «جهيمان» إلى «داعش» .. تعددت أسباب الضلال و«الهوس» واحد

من «جهيمان» إلى «داعش» .. تعددت أسباب الضلال و«الهوس» واحد

في غرة المحرم من عام 1400 هـ اختارت جماعة "مهووسة"، بحسب تعبير الأمير سعود الفيصل، أن تبايع شخصا أعدته الجماعة نفسها ليكون المهدي المنتظر، انطلاقا من تأويلهم بهوس لـ "رؤى" وأحلام أفراد الجماعة، واعتمادا على مرويات تبحث في الفتن وأشراط الساعة، ليقرر هؤلاء المهووسون من تلقاء أنفسهم لحظة خروج المهدي المنتظر ونهاية العالم ووجوب الخلاص. هوس الخلاص اليوم وبالأدوات ذاتها ما زال تنظيم داعش الإرهابي يروج لخلافته المزعومة، مبشرا أتباعه بتمدد دولته وبضرورة خلاصهم الفردي، بعد أن تعسّف من أجل ذلك نصوصا دينية، وبعد أن أثار كثيرا من النعرات الطائفية. وبالعودة إلى شهود الفترة الذين عاصروا جماعة جهيمان، ومنهم صاحب كتاب "أيام مع جهيمان"، ناصر الحزيم، فإن الجماعة وزعيمها جهيمان، اعتمدت على استغلال الرؤى، وتأثيرها في أفراد الجماعة حتى إن جهيمان نفسه كان يعد نفسه من المعبرين الأكفاء للتصدي لهذه الرؤى تحليلا وتفسيرا. التي كانت غالبا تصب في هدف أو فكرة أيديولجية واحدة ترسخت على ما يبدو منذ زمن في رأس هذا الرجل المحدود علما ومعرفة. وهو ما يؤكده، أيضا، اختيار هذه الجماعة أول يوم في العام المميز رقما (1400 هـ) على غرار كثير من الجماعات والثقافات العالمية التي بشرت بأعوام محددة لنهاية العالَم، ومنها مثالا لا حصرا، ظاهرة نهاية العالم الشهيرة عام 2012. فاختيار مثل هذا اليوم تحديدا يشير إلى أن المسألة مسألة هوس نفسي اجتمع لها كثير من الظروف المعنوية والمادية لتقود الجماعة والبلاد إلى الدماء وإلى المواجهات المؤسفة التي دامت 15 يوما. استشهد فيها بعض رجال الأمن وقتل فيها من قتل من أتباع هذا الرجل، سواء كانوا من المخططين الباحثين عن سلطة، أو الضالين المغرر بهم من صغار السن لخدمة هذه السلطة. جماعة جهيمان رغم محدودية زمانها ومكانها إلا أنها تدلل على سطوة "الفكرة الضالة" والهوس بها بعد تزيينها للأتباع وهو ما يفعله «داعش» وما فعلته "القاعدة" من قبل وكثير من الجماعات الإرهابية، حول العالم، وعلى مر التاريخ؛ سواء كانت يمينية دينية أو حتى يسارية لا دينية. فوفقا لشباب منشقين عن تنظيم داعش، وتبعا لدعايته المتوافرة على الإنترنت، فإن هذا التنظيم لا يغفل الرؤى وتعابيرها الدينية "المبشرة" والموجهة كجزء لا يتجزأ من دعايته الإرهابية ليخدم بها هذه الفكرة "الخلاصية" التي تتيح لقيادات "التنظيم" الباحثة عن السلطة والزعامة مزيدا من الذخيرة الحية، في شكل انتحاريين يوجههم لضرب أوطانهم، سعيا من هذه القيادات إلى بث الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، وتحقيقا لمآرب سياسية تلتقي فيها مصالح جهات ودول لا تتوانى في استخدام أي سلاح لتنفيذ أجنداتها العدائية. وهنا تتضاعف المسؤوليات لتحصين الداخل فكريا واقتصاديا، حتى لا تكون الأوطان بشبابها مدخلا سهلا لمتأولي الأفكار الضالة ومروجيها. يقول الأمير نايف بن عبدالعزيز، رحمه الله، صاحب اليد الطولى في محاربة الإرهاب، عن دور الأمن العام، في لقاء صحفي "إذا صلح الأمن الفكري والاقتصادي صلح الأمن العام، ونحن نساعد المفكرين والاقتصاديين على هذا الإصلاح". ذئاب منفردة وفي المحصلة يتضح أن فكر «داعش» و«جهيمان» أو من شاكلهم، ووظفهم، يعتمد في عمقه على إثارة "الهوس" لدى الأتباع. ومن ثم استغلال هؤلاء الشباب ليكونوا "ذئابا منفردة" كما يروج تنظيم داعش الإرهابي اليوم بكثافة لهذه الفكرة التي تغرس في أتباعه هوس الخلاص منفردا في عمليات تستهدف أمن الأوطان ومساجدها وأبناءها دون حاجة للذهاب إلى مناطق الصراع والنزاع. وهو الأمر الذي سيطيل بدوره من أمد المواجهة ضد الإرهاب، فالتجنيد وفقا لمنطق الذئاب المنفردة يمهد لأفكار مهووسة متفرقة، جغرافيا وثقافيا، لا يمكن التنبؤ بلحظة تبلورها أو انطلاقها في ظل وجود كثير من التسهيلات الإلكترونية التي تغذي باستمرار هذا الهوس، التي لم تتوافر يوما حتى لجهيمان وأتباعه. لتضرب هذه الجماعات، في اللحظة ذاتها، وفي موجة جديدة من هجماتها، يوم الجمعة الفائت، ثلاث قارات متباعدة حيث وقعت الهجمات فى الكويت (آسيا) وتونس (إفريقيا) وفرنسا (أوروبا) في تقارب زمني لافت. يسلط التقرير السنوي عن الإرهاب في دول العالم لعام 2014 الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية أخيراً الضوء على هذا التحول، ويُشير إلى أن جهود مكافحة التطرف العنيف أتت بنتائج "مختلطة". ففي حين أعاقت القوانين الجديدة التي وُضعت خلال عام 2014 بشكل متزايد من قدرة «داعش» على نقل عقيدته إلى المجنَّدين المحتملين، إلا أن الاستخدام الواسع النطاق والطابع المجهول نسبياً لوسائل التواصل الاجتماعي قد سمحا عموماً "للتنظيم" بأن يبقى متقدماً على الحكومات الوطنية بخطوة واحدة. وبالتالي، حافظ تنظيم «داعش» على حضوره الأيديولوجي في حياة كثير من المجنَّدين المحتملين الشباب، فاستطاع بذلك استقطاب أتباع من جميع أنحاء العالم بسرعة كبيرة. إن ذلك قد ساعد الجماعة على بناء علاقات مع أتباع محتملين - ولايات - إلى ما هو أبعد من العراق وسورية، وكذلك الوصول إلى أفراد ضعفاء في جميع أنحاء العالم، يمكنهم دعم الجماعة، أو الانضمام إليها في الشرق الأوسط، أو تنفيذ هجمات "فردية" في بلدانهم الأم. إلى ذلك، يلفت رولف توبهوفن المتخصص في شؤون الإرهاب في مقابلة مع صحيفة "نويه برسه" الألمانية إلى أن التنافسية الحاصلة بين هذه الجماعات تزيد من هذا الهوس وتنميه: "لدينا اليوم منظمتان إرهابيتان متنافستان هما "القاعدة" وتنظيم «داعش» حتى إن كانتا تقاتلان بنفس المنهج". وأوضح توبهوفن أن القاعدة "فقدت جزءا من بريقها بسبب «داعش» التي أنشأت خلافة ووطنت نفسها في المنطقة". ورأى توبهوفن أنه حتى في حال اختفاء تنظيم داعش "فإنه سيكون قد خلف آلافا من المقاتلين الذين يحملون رخصة للقتل (...) كثير من مقاتلي هذين التنظيمين سيواصلون ارتكاب جرائم القتل عبر التاريخ العالمي كجموع إرهابية مناورة". فيما يلخص الباحث في مركز "شاتهام هاوس" المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حسن حسن لوكالة فرانس برس رؤيته حول هذه الجماعات ومستقبلها بوصفها جماعات تمرد "تعمل المجموعة كأنها حركة تمرد، قد تنكفئ في منطقة ما وتتوسع في منطقة أخرى، لكنها باقية في المستقبل المنظور".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم