ارتفاع الأجور يشجع المستهلكين على إنفاق مكاسب النفط

ارتفاع الأجور يشجع المستهلكين على إنفاق مكاسب النفط

لماذا لم ينفق المستهلكون مكاسبهم النفطية؟ ربما يكون هذا السؤال الأكثر أهمية بالنسبة لأسواق رأس المال في العالم في الوقت الذي يناقش فيه «الاحتياطي الفيدرالي» متى وكيف يمكن رفع أسعار الفائدة.
كان ينبغي أن تكون مكاسب النفط واضحة. في النصف الأخير من العام الماضي، انخفضت أسعار الخام أكثر من النصف. هذا تحول إلى انخفاضات كبيرة في أسعار البنزين لسائقي السيارات وكان ينبغي أن يكون له أثر يعادل تخفيض الضريبة بالنسبة للمستهلكين. وعلى وجه الخصوص في الولايات المتحدة المدمنة على السيارات، كان ينبغي تحرير المال لإنفاقه في أي مجالات أخرى.
راهنت الأسواق على هذا. فقد عكس صعود الأسهم الأمريكية العام الماضي الاعتقاد بأن النفط الأرخص من شأنه أن يضيف حافزا إضافيا للاقتصاد الأمريكي، يستثير قرارا مبكرا برفع أسعار الفائدة من«الاحتياطي الفيدرالي» – يؤدي بدوره إلى جذب الأموال إلى الولايات المتحدة ويدفع الدولار إلى أعلى.
وبالنسبة لأسواق الأسهم، في كل من الولايات المتحدة وعلى الصعيد العالمي، تمتعت الأسهم الاستهلاكية التقديرية - التي تبيع بضائع استهلاكية غير ضرورية تكون مبيعاتها مدفوعة بشكل خاص من قبل الدورة الاقتصادية - باندفاع حاد وتفوقت على السوق الرئيسية بنسبة 10 في المائة على مدى فترة شهرين، بدأت تقريبا مع اجتماع "أوبك" في تشرين الثاني (نوفمبر)، الذي أكدت خلاله المنظمة أنها لن تسعى لرفع أسعار النفط.
وتعتبر الأسهم الاستهلاكية التقديرية مؤشرا رائدا جيدا للسوق ككل، فهي ترتفع نسبيا عندما يكون الاتجاه العام الكلي نحو الأعلى، وتنخفض عندما يكون نحو الأسفل. وكانت في حالة انتظار مليئة بالتوتر خلال الأشهر الثلاثة الماضية، في الوقت الذي كان فيه المستثمرون يهضمون وابلا من البيانات، التي تظهر أن مكاسب النفط بقيت غير منفقة من قبل المستثمرين.
الأكثر إثارة للدهشة أن الاستطلاع الأخير الخاص بمشاعر المستهلكين، الذي أجرته جامعة ميتشيغان، أظهر أكثر هبوط حاد منذ عدة سنوات في النمو الاقتصادي للولايات المتحدة وخيبة أمل مبيعات التجزئة. وعلى الصعيد العالمي، ذكر بنك جيه بي مورجان أن نموا نسبته 6.6 في المائة (بالمعدل السنوي) في حجم مبيعات التجزئة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2014 توقف فجأة عند مستوى قريب من الصفر خلال الفصل الأول من هذا العام.
أما فيما يتعلق بنتائج الشركات، فقد كان النمو السنوي للإيرادات، الذي سجلته أسهم الشركات الاستهلاكية التقديرية بالكاد جيدا خلال الفصل الأول. فقد ارتفعت المبيعات فقط بنسبة 1.1 في المائة على أساس سنوي، وفقا لـ "تومسون رويترز"، مقارنة بنمو مؤشر "إس آند بي" ككل، باستثناء قطاع الطاقة المنكوب، بنسبة 2.4 في المائة. لا توجد هناك مكاسب من الطاقة.
لكن محللون في مجال وساطة الأسهم يعتقدون أن المكاسب ستظهر في وقت لاحق هذا العام، متوقعين نموا مرتفعا نسبته 4.7 في المائة للقطاع خلال الفصل الرابع، وهذا سيجعلها تتصدر السوق بصورة مريحة.
ويبدي «الاحتياطي الفيدرالي» دهشته، لكنه يحتاج بوضوح إلى أن تتوزع بعض مكاسب النفط فيما لو تحققت توقعاته الاقتصادية الإيجابية نسبيا. وأوضح محضر اجتماع نيسان (أبريل) الخاص باللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، الذي نشر الأسبوع الماضي، أنه لن يكون هناك أي ارتفاع في أسعار الفائدة الشهر المقبل. وجاء في المحضر أن "الدعم المتوقع لإنفاق الأسر من أسعار الطاقة المنخفضة لم يتحقق حتى الآن على ما يبدو". وأعرب الأعضاء عن "قلقهم بصورة خاصة" حيال ذلك، لأن ذلك يعني أن الزخم الكامن وراء النفقات الاستهلاكية أقل مما كانوا يتوقعون.
وحتى الآن، الانخفاض في الاستثمارات من قبل الشركات النفطية، سواء في الولايات المتحدة أو في العالم ككل، فاقت آثاره المنافع التي يجنيها المستهلكون جراء أسعار النفط الأرخص. لماذا؟ وهل كل من مستثمري الأسهم والبنك المركزي الأكبر في العالم لديهم ما يبرر توقع أن يبدأ المستهلكون إنفاق عائداتهم من النفط قبل انتهاء العام؟
يشير بيتر أتووتر، من شركة إينسايتس للاستشارات المالية، إلى أن هذا يعد علامة على انعدام الثقة الاقتصادية لدى الطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة حين بدأت أسعار النفط في الانخفاض. فبدلا من التصرف بوصفهم مستهلكين واثقين وإنفاق مكاسبهم النفطية، كما يقول، اكتنزوا المنفعة، أو ادخروها، أو سددوا الديون للتقليل من شعورهم بعدم اليقين.
وأسعار النفط المنخفضة يمكن أن تنهي هذا الشعور السلبي في نهاية المطاف - لكن النفط بدأ ينتعش في شباط (فبراير)، تماما في الوقت الذي أخذ فيه المستهلكون يلاحظون أن سعر البنزين بدأ يميل للانخفاض. وتشير استطلاعات "جالوب" إلى أنه حتى يستأنف المستهلكون إنفاقهم بشكل أنموذجي لاحقا هذا العام، تحتاج أسعار النفط إلى أن تستقر عند مستوى أدنى - والأجور تبدأ في الارتفاع.
الخبر السار هو أن هذا يبدو أكثر احتمالا. الآن تتعزز سوق العمل في الولايات المتحدة، كما هو الحال في المملكة المتحدة. وحتى سوق العمل في منطقة اليورو تتحسن بعض الشيء. وتشير شركة كابيتال إيكونوميكس في لندن إلى أن ديون الأسر ليست خطيرة لتشكل مشكلة كما كانت من قبل، وأن المستهلكين كانوا يسددون الديون، بينما تشير الدراسات الاستقصائية الدولية المتعلقة بثقة المستهلكين إلى أمور إيجابية.
إن الرهان بأن تظهر المكاسب في نهاية المطاف يبدو معقولا. بناء على هذا، ينبغي أن نستنتج أن «الاحتياطي الفيدرالي» سيبدأ بالتأكيد في رفع أسعار الفائدة، ربما في أواخر هذا العام. هذا قد يعزز الدولار وقد يمتحن الأسهم الأمريكية، التي ارتفعت مرة أخرى لتعود إلى مستويات قياسية - لتقدم العون لمنطقة اليورو التي تستفيد من ضعف عملتها. لكن لكي يحدث كل هذا، تحتاج الطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة أن تشهد ارتفاعا في مرتباتها. أصبحت المسألة حاسمة بالنسبة لثقة المستهلكين الأمريكيين.

الأكثر قراءة