يَا صبري وَيَا أملي..

سيعزفك "الصبرُ" حين يكون "أملُك" أغنية..
وردتني الكثير من الرسائل عبر بريدي بشكل غريب ومثير تطالب في أن أكتب عن "الصبر" تارة، وتارة عن "الأمل"..
وأدهشني أنها أتت في وقت واحد ولا فارق توقيت بين كل رسالة وأخرى سوى يوم أو يومين..
قررت عندها أن أجمع "الصبر" و"الأمل" في قالب واحد كونهما غالبًا مكملان لبعضهما البعض، وقد يرتبطان كثيرًا في أكثر من منحى وجانب حياتيّ لدى الشخص.
"الأمل" يُفضي بك إلى "الصبر"، و"الصبر" يُفضي بك إلى إنسياب "القوة الداخلية " لديك لمواصلة الحياة بثبات أكبر و"نورانية الصبر على قدر التصبر".
لقد قرأت مطولاً عن الصبر، وبحثت في رحلة خاصة لهذا الخليط الذي يجعلك أكثر إتزانًا وأكثر حكمةً ما بين صبر يقويك وأمل يحثك على الاستمرارية والمواصلة..
إنك قد تصبر سنينًا حين يكون لديك "أمل داخلي"، ولكن حين تتوقف شعلة الأمل تذوي بالصبر ناحية الخواء والإنتهاء، وقد تتوقف دون أن تشعر بالرغبة في الإكمال..
كم من أمور صبرت عليها لأجل الأمل في أنها سترحل عنك، أو لأجل أنك تشعر بأنها ستتغير للأفضل أو لأجل شيء ما كنت مؤمنًا أنه سيحصل ما دمت صابرًا متأملاً..
بعد البحث والتقصي حول الأمل والصبر قمت طرحت بطرح سؤال مفتوح لدى من حولي وأصدقائي وقلت ببساطة:
ما هو الأهم الصبر أم الأمل؟
أم أن كلاهما مرتبطان ببعض؟
وما هو الذي يفضي بك إلى الآخر؟
وكانت الأجوبة مثيرة، وملهمة، ومدهشة، ومتباينة..
هناك من يرى الأمل وقودًا للعيش والحياة، وهناك من يؤكد على أن الصبر أهم بكثير من الأمل الذي قد يكون موجودًا وقد لا يكون..
وهناك من قال بأن كلامها بنفس الأهمية، والبعض توقف محتارًا وحائرًا كيف يختار ما بين صبره وأمله..
الذي أراه هو أن الأمل قوة جبارة تجعلك تصبر بقوة، ولكن قليل من الناس من يصبر دون أمل، لأنه يرى أن لا فائدة لصبره حين يكون بلا أمل..
وكما قال محمود درويش: "وبي أملٌ يأتي ويذهب وَلَكِنْ لن أودّعه.."
ذلك الأمل الذي يتسلل للروح ويجعلها تشعر بأن للحياة معنى حقيقي..
ولكن على الجانب الآخر لرفقاء الصبر حتى ولو لم يأتي مطعّمًا بالأمل، لأن الوعود الإلهية للصابرين كثيرة جدًا في كتابه، وكثيرًا ما تجعلني أسلّم أمري وأستسلم لصبر عميق حتى وإن كان بلا أمل فيكفيني عظم الأجر الرباني الذي يمنحني السلام حتى ولو تأخر بي الفرج..
تلك الآيات التي تجعلك تتوقف متأملاً:
"إنَّ الله معَ الصابرينْ" هنا يخبرك بأنه معك،
"وبَشِّر الصابرينْ" وهنا يبشرك ببشرى من عنده،
"ولئنْ صبرتمْ لهو خيرٌ للصابرينْ" وهنا يحتويك ويضيء لك بأن الخير في صبرك هذا،
"إنما يوفى الصابرونَ أجرهمْ بغيرِ حسابْ" وهنا وعده المضمون بالوفاء بأجرك،
"واصبرْ لحكمِ ربكَ فإنكَ بأعيننا".
هذه الآية تمنحك السلام الداخلي وتعيد تشكيل روحك وتجعلك تتمسك بالصبر مهما عبرتك المحن،
"والله يحبُّ الصابرينْ" وهنا يحدثك بحبه لك وبأنه يحب صبرك..
يا الله!
قد رضينا بكل أقدارك فامنحنا الصبر ليعمّنا هذا الفضل.
أختم بحبّ بأن الصبر هو "القوة العظمى" التي ستحتاجها كثيرًا في كل محطة من محطات حياتك، في كل تفصيل صغير، في إنتظار نتيجة، وإنتظار رحلة، وإنتظار مكالمة، وغيرها من الإنتظارات..
في صبرك على هجر حبيب، وبعد صديق، ومفارقة أهل، وأذى من قريب..
الصبر هو ما يجعل معدنك يتجرد، وقيمتك تبقى دون أن تنكسر، لأن "الصبر عمل -أرواح-، لا تعب -أجساد-"
ولكن ليكن الأمل رفيقًا لصبرك دائمًا حتى تواصل حيثما كتبه الله لك، وحيثما وعدك بصبرك..
وأخيرًا "الصبر درج، يفضي بمن عرج إلى الفرج"
ومن يتصبر يصبره الله، حتى يصير الصبر له سجية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي