الفريدي .. آخر المجانين

لا يوجد تعريف جامع للإبداع بحسب ما قرأت، وأميل إلى تعريف الموسوعة العربية الفلسفية التي قالت إنه "إنتاج شيء جديد أو صياغة عناصر موجودة بصورة جديدة في أحد المجالات كالعلوم والفنون والآداب" وأضيف إليهم كرة القدم، أما الجنون الإبداعي فهو الخروج عن المألوف. ويتساءل البعض لماذا تم ربط الإبداع كحالة إيجابية خلّاقة بالجنون وهو الحالة المرضية؟. للإجابة لا بد أن نعود لتعريف الجنون ذاته، وهو حالة مرضية اقترنت بالعقل على الدوام، ربطها البعض بتفاصيل تستتر خلف ما وراء الطبيعة وهو اختطاف العقل البشري من الجن، فانفردت به وأخرجته عن طوق الجماعة. الإبداع حالة اقترنت بالعقل أيضا تبعد صاحبها عن كلاسيكية الجماعة، من هنا جاء المزج بين الجنون والإبداع وظهر مصطلح الجنون الإبداعي. قديما كان العرب يتهمون الشاعر المتفرد بأن به مسا من الجنون وأن الجن تتلبسه وتتحدث بلسانه، وتلك صورة واضحة لعجزهم عن تفسير الإبداع.
والحقيقة أن هناك من يجمع بين المجنون والمبدع في السمات والعادات، كحدة المزاج، الفوضوية، التمرد، وهي صفات قد تأتي واحدة منها وقد تأتي كلها مجتمعة أحيانا في الشخص ذاته، وأرى أن هذا توجه يصل إلى المبالغة.
كرة القدم اللعبة الرياضية السهلة المعقدة، لعبة اجتمع فيها كل شيء، الكلاسيكية، الإبداع، الجنون ومشتقاته. عبر تاريخ اللعبة تكونت قائمة ما يمكن تصنيفه تحت مصطلح: المبدعون المجانين" أي الخارجون عن المألوف فيها، لم أر البرازيلي جارنشيا وسمعت عنه كثيرا وعن جنونه الإبداعي وعدت لبعض تسجيلات مبارياته فوجدت رجلا خلاقا معجونا بالإبداع والجنون، أما أعظم المجانين الذين شاهدتهم في كرة القدم، فهو الأرجنتيني العملاق القصير دييجو أرماندو مارادونا، مجنون حقيقي، والكرة بين قدميه لا يمكن لأحد المراهنة على الخطوة المقبلة منه، الأسطورة الكونية دييجو تحول من لاعب كرة قدم إلى رمز رياضي ملهم لكل الأجيال، احتفظ بريادة نادي المجانين المبدعين.
وبحسب من عاصرت من اللاعبين، أعتقد أن الفرنسي زين الدين زيدان والبرازيلي رونالدينيو يستحقان الانضمام لنادي المجانين المبدعين. بين قدميهما عَرَفت كرة القدم رقصات لم تعرفها من قبل. الكرة مع زيزو ورونالدينيو تتحول إلى عاشقة ترتمي في أحضان عشيقها لا تريد مغادرته.
في الكرة السعودية، هناك مبدع مجنون واحد، هو يوسف الثنيان، نوعية نادرة من اللاعبين، عاش حالة من التحدي مع الكرة ذاتها،يطوعها كخيال يعسف فرسا جفولا. من بعد الثنيان مرت كرتنا بمراحل من الإبداع غير المجنون، والكلاسيكية الصرفة، حتى ظهر فتى طيبة الصاخب الهادئ، المجنون العاقل المبدع، رجل يحمل من التناقضات ما لا تحتمله قائمة، وأمام ما يفعل في الملعب، ليس على أي مدرب إلا أن يتعامل معه كحالة خاصة من الجنون الإبداعي، يقبل بردوه، وثوراته المفاجئة.
أحمد الفريدي، شفاه الله وعافاه، حالة خاصة، في قائمة المبدعين المجانين، فيه من الثنيان كثير، وبعض من زيدان، وأشياء أخرى لم تعرف قبل الفريدي ذاته.
قلت لأبي عمر ذات صفو: من هو اللاعب المختلف؟ قال: "الذي يكتب السيناريو وينفذه بنفسه، ويوزع الأدوار الأخرى على البقية". وصف دقيق لما يفعله، يفعل كل شيء ويترك للبقية الاستمتاع بما يفعل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي