عبد الله وسلمان .. وحب الشعب لهما

لا شك أن أهمية البلدان ووزنها على الساحة الدولية، لا يأتيان فجأة أو بقرار زعيم مهما كانت أهميته، بل يستندان إلى عوامل تاريخية وواقعية وطبيعية، فأهمية ومكانة هذه البلاد الطاهرة العظيمة مستمدة من كونها تحتضن أطهر بقعة على الكون وقبلة المسلمين أي الكعبة المشرفة ومسجد رسول الله- عليه الصلاة وأتم التسليم- وهي مركز العروبة، وأصل اللغة العربية، وإنها تحمل في جوفها بترولا يقدر بنحو ربع احتياطي العالم النفطي، وأكبر مصدر للبترول في العالم، ولقد عزز الملك الراحل واقعا كان (وسيظل) موجودا منذ نشأة المملكة، وأسهم في خلال عشر سنوات فقط من حكمه في تعزيز تلك المكانة وتكريسها عالميا، وفي الشأن الداخلي غرس البذور التي ستثمر- بمشيئة الله- واقعا ملموسا في القريب العاجل والوصول بشعب المملكة فعليا إلى ما يليق به.
لقد قدم المغفور له- بإذن الله- وخلال وقت قصير نسبيا في حياة الأمم (أي عقد من الزمن فقط)، لشعبه ما لم يقدمه أي زعيم لأمته، ففي عهده القصير نسبيا ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من نحو 1.150 مليار ريال لعام 2005، إلى نحو 2.800 مليار ريال لعام 2014، أي بزيادة سنوية تقارب 15 في المائة تقريبا. وتجاوز الإنفاق الحكومي سبعة آلاف مليار ريال (أي تريليوني دولار). ولقد تم تسديد الدين العام تقريبا وبلغ الاحتياطي العام للدولة أكثر من تريليون ريال (750 مليار دولار). وسجل التبادل التجاري مع دول العالم بين عام 2005 حتى 2013، نحو 13.14 تريليون ريال، وبفائض ميزان تجاري خلال الفترة 5.69 تريليون ريال، ما يعادل 44 في المائة من الناتج. وفي أولى سنوات حكم الملك عبد الله، وافق المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية على انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، وأصبحت العضو رقم 149 في المنظمة. وتبوأت المملكة كبار اقتصادات العالم وذلك بدخولها نادي العشرين.
لقد شهدت مكة والمدينة توسعة هائلة لم تشهدهما في التاريخ، وشيدت المدن الاقتصادية في جميع أنحاء المملكة، وشهد قطاع التعليم توسعا لم يشهده تاريخ المملكة منذ تأسيسها وتوسعت رقعة التعليم العالي أضعافا مضاعفة، واهتم العاهل السعودي الراحل بقضية التعليم وفتح أبوابا كثيرة للشباب السعودي داخليا وخارجيا، وفي عهده شهدت السعودية أكبر عدد من البعثات التعليمية للخارج في كل المجالات وبلغت أعداد المبتعثين أكثر من 100 ألف مبتعث حول أنحاء العالم، وتم إنشاء أكثر من 12 جامعة كبرى فى المدن السعودية خلال عشر سنوات، وتجاوز عدد الجامعات العشرات بعد أن كانت فقط سبع جامعات وشهد النقل العام قفزة كبيرة وشيدت السكك الحديدية بين أنحاء المملكة والمترو في المدن الكبرى وشهد قطاع الصحة نقلة نوعية، وكذلك شهد القضاء تطورات مذهلة ليس هذا المجال تفصيلها.
لقد أحب الملك الراحل شعبه وكان فريدا في احترامه لشعبه ومواطنيه. وهنا نذكر ما جاء على لسان الكاتب المصري مأمون فندي في حوار له مع الملك عبدالله، حيث جاء في مقال له بأنه سأل الملك عبدالله مرتين في لقاءين مختلفين عن المواطن السعودي، مرة في عام 2005 في أول حوار صحافي مع المغفور له- بإذن الله- مع الملك عبدالله، وسأله عن المواطن السعودي ليرى الغرب كيف يرى ملوك العرب شعوبهم، يومها قال له الملك بوضوح لا لبس فيه: إنه من هذا الشعب ولا فرق بينه وبين أي مواطن سعودي «كل سعودي هو أنا». ولفلف الملك غترته حول عنقه وقال: «هم في رقبتي». كان متأثرا ومؤثرا بتلك الحركة. وقابله الصحافي نفسه أيضا في حوار آخر عام 2006، وكرر عليه ذات السؤال عن رؤيته للمواطن وإذا ما كانت قد تغيرت، فوجده يتحدث عن المواطن برؤية أكثر عمقا تعكس موقعه كربان للسفينة، وقال: «ومن نحن من دون المواطن السعودي؟! نحن نستمد قوتنا من الله ثم من مواطنينا». وهكذا كانت رؤيته وشعوره للمواطن.
والملك الراحل عبدالله والملك الحالي سلمان لا يختلفان كثيرا من حيث الاستراتيجيات والتزامات المملكة السياسية وحب المواطنين لهما. فالملك سلمان بن عبدالعزيز يعد سابع ملوك الدولة السعودية الحديثة، وهو من أركان العائلة المالكة السعودية، وأمين سرها ورئيس مجلسها لسنوات، كما كان مستشارا لعدد من الملوك السابقين ومعروف عنه الالتزام واحترام الوقت والتسامح وتجاوز الفرعيات، ولكن بالحزم تجاه الأساسيات.
ولد الملك سلمان في عام 1935، ويتميز الملك سلمان بإتقانه لتاريخ الجزيرة العربية وبأنساب القبائل الكبيرة والصغيرة، ويعرف أنساب الناس وقراباتهم وصلاتهم. وعرف بفراسته وحضوره وشخصيته الجريئة، ولقد اكتسب الملك سلمان محبة شعبه، تم تعيينه أميرا لمنطقة الرياض بالنيابة عن أخيه الأمير نايف بن عبدالعزيز، ثم عين أصالة في المنصب ذاته في عام 1955 وظل في هذا الموقع أميرا لمنطقة الرياض لنحو خمسة عقود جعلها عاصمة المملكة من أكبر المدن تطورا وجعلها واحدة من أكبر عواصم الشرق الأوسط، وأكثرها تحديثا وتطورا منذ أن تسلم إمارة الرياض في 16 مارس (آذار) 1954، حينما كانت لا تتجاوز مساحتها بضعة كيلومترات وعدد سكانها بضعة آلاف والآن أصبحت مساحتها أكثر من مئات آلاف الكيلو مترات وتجاوز سكانها أربعة ملايين نسمة، وضع الملك سلمان بصمته على عاصمة المملكة، واحتضن تطلعات المواطنين السعوديين واستيعاب همومهم ومتابعته وفتح الباب للتحاور معه.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2011 أصدر الملك عبدالله أمرا ملكيا بتعيينه وزيرا للدفاع خلفا لأخيه سلطان بن عبدالعزيز، الذي توفي في العام نفسه. وقد بويع في 18 حزيران (يونيو) عام 2012 بولاية العهد بعد وفاة أخيه الأمير نايف بن عبد العزيز الذي كان يشغل ولاية العهد، فضلا عن منصبي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية. كما تولى سلمان إلى جانب ولاية العهد منصبي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع.
والملك سلمان بن عبدالعزيز هو من بدأ بإدخال جيل الأحفاد إلى مؤسسة الحكم حينما عين الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز.
لقد أثمرت أعمال خادم الحرمين الملك سلمان على مدى نصف قرن من الزمان في خدمة الوطن والمواطن وتقديرا له ولإنجازاته أجمع المواطنون على محبته، وبأعماله وبإنجازاته طرح الله المودة والمحبة له، ونختتم ذلك بقول الله عز وجل (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي