الأسواق تنتصر على «الاحتياطي» في لعبة عدم الاستسلام

الأسواق تنتصر على «الاحتياطي» في لعبة عدم الاستسلام

في مؤتمر "فاينانشيال تايمز" الخاص بالأسواق النامية الطرفية Frontier Markets في نيويورك، في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الجاري، مجموعة صغيرة فقط من المشاركين اتفقت في الرأي الذي مفاده أن الأسواق سوف تستوعب بسلاسة قرار "الاحتياطي الفيدرالي" برفع أسعار الفائدة عندما يحين الوقت.
في الأسبوع السابق تماماً على اجتماع "الاحتياطي الفيدرالي" في واشنطن، انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 3.5 في المائة، واستمرت التدفقات الخارجة من سوق القروض والسندات الخطرة، في حين انخفضت العوائد السنوية منذ بداية العام حتى الآن إلى صفر، وتقلص مُصدرو السندات ذات التصنيف CCC المنخفض بنسبة 4 في المائة خوفاً من ظهور اليوم المشؤوم عاجلاً وليس آجلاً.
لكن الذي حدث هو أن "الاحتياطي الفيدرالي" نطق بكلمة "الصبر" وتغير كل شيء. يوم الأربعاء الماضي ارتفعت سوق الأسهم بنسبة 2 في المائة ويوم الخميس حصل مؤشر داو جونز الصناعي على أفضل أيامه منذ ثلاثة أعوام. واعتماد الأسواق على سياسة "الاحتياطي الفيدرالي" لم يظهر بجلاء أكثر مما هو عليه اليوم، على الرغم من حقيقة أن رسالة "الاحتياطي الفيدرالي" ذكرت أيضاً أن زيادات أسعار الفائدة يمكن أن تأتي في وقت مبكر في الربيع المقبل.
لعبة عدم الاستسلام بين "الاحتياطي الفيدرالي" والأسواق بدأت مرة أخرى. في كل مرة يبدو أننا سنصل أخيراً إلى نهاية الأموال السهلة، يحدث شيء (أو أشياء) ما بشكل خاطئ في العالم ووحده تسامح وصبر "الاحتياطي الفيدرالي" الذي بإمكانه تهدئة الأسواق.
لكن لا شيء - حتى صبر "الاحتياطي الفيدرالي" - بإمكانه تغيير الحقيقة القائلة إننا نعيش في عالم حيث النمو العام المقبل من المرجح أن يكون أبطأ، وحيث القليل من شركات الإنتاج تملك قوة التسعير، وحيث سيولة الدولار القليلة من "الاحتياطي الفيدرالي" ربما لن يتم التعويض عنها بالكامل من قِبل سخاء بنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي.
البلدان والأسواق التي ينبغي أن تكون في مأمن من المشكلات في روسيا وتكون من المستفيدين من الانخفاض السريع غير المتوقع في أسعار النفط، كان يتم تداولها بأسعار متدنية قبل إعلان "الاحتياطي الفيدرالي". وهذا يُشير إلى أن الآمال بعدم تكرار النوبة التي أعقبت الحديث عن الانسحاب من التسهيل الكمي العام الماضي، من المرجح أن تثبت أنها لن تتحقق.
يقول معظم المحللين إن التراجع في أسعار النفط يتم احتسابه إلى حد كبير من قِبل عوامل جانب العرض، التي تدعم حالة صاعدة في العام المقبل. لكن هناك الكثير من الأدلة تُشير إلى أن الطلب الضعيف يلعب دوراً كبيراً - التي من شأنها أن تدعم توقعات تؤمن بالسوق الهابطة. في الولايات المتحدة، كل من الإنفاق الرأسمالي والطلب بطيئان، الأمر الذي يُشير إلى أن معدل النمو المحتمل من المرجح أكثر أن ينخفض بدلاً من أن يرتفع. والقواعد الجديدة تعني أيضاً أن سياسة الإشراف المصرفية ستعمل على نحو متزايد ضد السياسة النقدية للحدّ من نمو القروض من المصارف. والدولار القوي سيعمل على تقييد أي ارتفاع في كل من أرباح الشركات والصادرات.
علاوة على ذلك، من المعقد التنبؤ بآثار الجولة الثانية من تراجع أسعار النفط. هل القليل من الدولارات الناتجة من تصدير النفط، الموجودة الآن في أنحاء العالم كافة، تعمل على تعزيز تأثير أي عملية تشديد من جانب "الاحتياطي الفيدرالي"؟ المملكة العربية السعودية، مثلا، تملك تريليون دولار ومن الناحية العملية لا توجد عليها ديون. لكن مع انخفاض الإيرادات من مبيعات النفط إلى أقل مما توقعه السعوديون عند وضع ميزانيتهم، من الممكن أن يقرروا الاقتراض - أو يمكن أن يقرروا بيع بعض مقتنياتهم الضخمة من سندات الخزانة الأمريكية.
ومن الممكن أن يؤدي طلب خارجي أقل على الأوراق المالية الحكومية، جنباً إلى جنب مع نهاية عمليات شراء الأصول واسعة النطاق التي يقوم بها "الاحتياطي الفيدرالي" ونهاية أسعار الفائدة التي تبلغ الصفر، إلى ارتفاع أكبر مما هو متوقع في أسعار الفائدة الأمريكية في نهاية المطاف، مع أن كثيرا من المحللين يتوقعون أن تكون التدفقات الداخلة الأجنبية في مجال سندات الخزانة الأمريكية أكبر العام المقبل.
ومن بين ما يراه ذراع ميريل لينش، التابعة لبانك أوف أميركا، اتجاهات التدفق الكبير لعام 2014 كانت "تداولات الدخول في الانكماش، والخروج من التضخم". تداولات "الخروج" تتضمن بيع أصول الأسواق الناشئة الغنية بالطاقة في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. لكن في الأسابيع المقبلة، هناك أسواق ناشئة أخرى قد تتأهل لجانب "الخروج" من دفتر الحسابات.
وذكر محللون في جيه بي مورجان، أن نوبة الانسحاب التدريجي لعام 2013 "شهدت أعواماً من التدفقات الداخلة التي كان يغذّيها إلغاء برنامج التسهيل الكمي". وفي الماضي اجتذبت سندات الأسواق الناشئة 40 مليار دولار سنوياً من التدفقات الداخلة، وهو رقم كبير مقارنة بـ 6.3 مليار دولار دخلت في عام 2013 (أو 12 مليار دولار هذا العام).
سوق الأوراق المالية ذات العوائد المرتفعة شهدت أيضاً عدوى على نطاق واسع - حتى بدأ "الاحتياطي الفيدرالي" بالكلام. مع ذلك، في مرحلة ما، تلك العدوى سوف تعود، والشركات ذات الاستخدام المشكوك فيه للعائدات وقروض السندات الكبيرة ستكون من يتضرر بشدة مرة أخرى.
لكن مع استمرار لعبة عدم الاستسلام بين الأسواق المالية و"الاحتياطي الفيدرالي"، الاحتمالات هي أن الأسواق ستنتصر - حتى لو أن الانتصار الواضح الرئيسي لسياسات "الاحتياطي الفيدرالي" كان فقط لدعمها. ووضع "الاحتياطي الفيدرالي" ربما يبقى كما هو.

الأكثر قراءة