الإسكان والصحة لحماة الوطن وحُرَّاسه

تطرقت في مقال سابق بعنوان (4 مقترحات عاجلة لأزمة الإسكان) نشر في "الاقتصادية" في العدد 7714، إلى مقترحات استهدفت سرعة معالجة الأزمة الإسكانية، ذكرت في المقترح الثاني من تلك المقترحات؛ أنه بناء على القدرة الكبيرة التي تتمتع بها كل من وزارات الدفاع، والحرس الوطني، والداخلية، على مستوى تنفيذ المشروعات، وبما تضمه تلك الوزارات مجتمعة من شريحة واسعة من المواطنين العاملين فيها، إضافة إلى المتقاعدين منها، أن الأنسب في مواجهة أزمة الإسكان، أن تتولى تلك الوزارات معالجة (المتطلبات الإسكانية) لمنسوبيها سواء على رأس العمل، أو متقاعدين، أو ورثة المتوفين ممن كانوا يعملون فيها
وأن هذا المقترح من شأنه أن يسهم بفاعلية قوية في الإسراع بمعالجة أزمة الإسكان الراهنة، وأن آثاره الإيجابية ستعم بنفعها بإذن الله تعالى شريحة واسعة من أفراد المجتمع، يعززها الخبرة والقدرة الكبيرتين التي تتمتع بها إدارات المشروعات في تلك الوزارات الحيوية، وأن الشواهد الفعلية على توافر ميزة التفوق والإتقان وسرعة الإنجاز لدى تلك الوزارات، قائمة على أرض الواقع ولا تحتاج إلى أي عناء يذكر لإثباتها.
كانت المفاجأة بالنسبة لي بعد أيام قليلة من نشر المقال، أن أحد القراء الكرام نبهني إلى أن هذا المقترح قد صدر بشأنه أمر ملكي كريم قبل نحو أربعة أعوام، بل إن الأمر الملكي الكريم لم يتوقف عند ملف الإسكان، بل امتد ليشمل ملف الصحة! وفيما يلي نصه: الأمر الملكي الكريم رقم أ/ 70 وتاريخ 13/ 4/ 1432هـ، (بسم الله الرحمن الرحيم، بعون الله تعالى نحن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، انطلاقا من أهمية الدور الكبير الذي يضطلع به حماة الوطن وحراسه، وهم من ضحوا في سبيل هذا الشرف بالنفس والنفيس، فسهروا على حماية الجبهة الوطنية في داخلها وعلى ثغورها، رجالا نعتز بهم، وببطولاتهم، وتضحياتهم. أمرنا بما هو آت:
أولا: قيام وزارة المالية وبشكل عاجل بمناقشة الجهات العسكرية بشأن أي حقوق أو التزامات مالية لمنسوبيها والتأكد من صرفها. ثانيا: قيام الجهات العسكرية كل على حدة بمناقشة احتياجاتها لإسكان منسوبيها مع وزارة المالية. ثالثا: تكوين لجنة من وزارة المالية والقطاعات العسكرية بجميع قطاعاتها، لمناقشة احتياجاتهم في مجال القطاع الصحي، والرفع لنا بالنتائج. رابعا: يبلغ أمرنا هذا للجهات المختصة لاعتماده وتنفيذه.
عبد الله بن عبد العزيز
إنها همة خادم الحرمين الشريفين التي سبقت بعدة أعوامٍ مضت أية مقترحات في هذا الشأن التنموي المرتفع الأهمية، وليتحول الحديث الآن على إثر هذا الأمر الملكي الكريم من مجرد مقترحات إلى تذكير لوزارة المالية، وسؤال يشرع طرحه من قبل منسوبي جميع تلك الوزارات الحيوية، وبعد نحو أربعة أعوام على صدور الأمر الملكي الكريم، حول ما تم إنجازه على أرض الواقع على مستوى جميع بنود الأمر الملكي الكريم.
كان لافتا جدا أن تكشف المراجعة والتدقيق في جميع بيانات الميزانية العامة للدولة التي تلت صدور هذا الأمر الملكي الكريم، والمعد من وزارة المالية، أؤكد أنه كان لافتا عدم ورود أية إشارة أو إيضاح حول ما تم حيال هذا الأمر، على عكس بقية الأوامر الملكية السامية التي صدرت باليوم والتاريخ نفسه! ولا يعلم حتى تاريخه ما الأسباب التي غيبت أية إيضاحات أو حتى تصريحات مقتضبة حول ما تم إنجازه في هذا الخصوص، علما أن الفقرتين الثانية والثالثة من الأمر الملكي الكريم نصتا فيما يتعلق بالإسكان على قيام الجهات العسكرية كل على حدة بمناقشة احتياجاتها لإسكان منسوبيها مع وزارة المالية، وفيما يتعلق بالقطاع الصحي بتكوين لجنة من وزارة المالية والقطاعات العسكرية ذات العلاقة بالأمر، ومناقشة احتياجات تلك الجهات العسكرية في مجال القطاع الصحي، وأن يتم رفع النتائج إلى مقام خادم الحرمين الشريفين. بماذا تجيب وزارة المالية حول كل ما تقدم ذكره؟ وماذا تم إنجازه؟ ولماذا لم يصدر أي تصريح أو بيان من وزارة المالية حول مضمون هذا الأمر الملكي الكريم؟
إننا على مرمى أقل من ثلاثة أسابيع على تاريخ إعلان موازنة العام المالي الجديد، وهو الإعلان السنوي الرابع الذي يلي تاريخ إصدار الأمر الملكي الكريم المشار إليه أعلاه، فهل سيتضمن البيان إيضاحا حول ما تم إنجازه في هذا الخصوص، والمفترض أن تكون فترة من الزمن كافية جدا لتحقيق جزء من أهدافه وتوجيهاته؟ لا شك أن الغياب التام لأية إعلانات لاحقة حول هذا الملف الحيوي والتنموي، كان مفترضا بالضرورة القصوى أن يصدر عن وزارة المالية، يظل أحد الأسباب التي فاقمت من حجم أزمتي القطاعين الإسكان والصحة طوال الأربعة الأعوام الماضية، يضاف إلى البطء الشديد الذي لازم عمل وزارتي الإسكان والصحة، لتجتمع كل تلك العوامل أو الأسباب في إضعاف درجة الإنجاز المأمولة من جانب، ومن جانب آخر لتسهم في اتساع الفجوة التنموية بين متطلبات شرائح المجتمع المختلفة من جهة، ومن جهة أخرى الأوامر والتوجيهات السامية بناء على الموارد المالية الهائلة المتوافرة بحمد الله.
يكمن مصدر وجود واتساع الفجوة التنموية في بطء عمل الحلقة الوسيطة (ممثلا في الأجهزة الحكومية التنفيذية)، وفي تدني درجة كفاءتها وإنتاجيتها، ويزيد من تفاقم تلك الفجوة التنموية، أن تتدنى مستويات الرقابة والمتابعة والتدقيق المفترض أن تضطلع بها الجهات الرقابية بدءا من ديوان المراقبة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وانتهاء بمجلس الشورى الذي يبحث في التقارير السنوية لأداء الأجهزة الحكومية، ويتولى دراسة ومناقشة مدى التزام الأجهزة الحكومية المختلفة بتنفيذ ما يوكل إليها من أوامر ومهام ومسؤوليات. كل هذا يبدو أنه غاب تماما عن متابعة ما تم حيال أحد أهم الأوامر الملكية الكريمة، وتزداد أهميته القصوى كونه يرتبط بحياة ورفاهية (حماة الوطن وحراسه).
إن التقدم الحقيقي على مستوى تحقيق وإنجاز غايات هذا الأمر الملكي الكريم وأهدافه، سيكون عاملا ودافعا له وزنه الكبير في حل أزمتين من أثقل الأزمات التنموية المحلية وزنا، كون الشرائح الاجتماعية المرتبطة بتلك الجهات العسكرية تكاد تشكل نصف الوزن سواء بالنسبة للإسكان أو الصحة، فالتقدم على طريقها سيكون عملا ومجهودا يسير بالتوازي مع عمل كل من وزارتي الإسكان والصحة، وسيسهم بدرجة كبيرة جدا في معالجة وحل أزمتي قطاعي الإسكان والصحة. لهذا نأمل جميعا كمجتمع أن تصدر إجابة واضحة جدا من قبل وزارة المالية حول ما تم اتخاذه حيالهما، وأن تعلن الخطط والبرامج إن وجدت التي سيتم من خلالها تنفيذ نص الأمر الملكي الكريم الصادر برقم أ/ 70 وتاريخ 13/ 4/ 1432هـ. والله ولي التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي