الثراء يزداد .. والفقر أيضا

ليس جديدا أن تكون نسبة قليلة جدا جدا من الناس، تمتلك أكواما كبيرة جدا جدا من المال. وليس جديدا أيضا أن هذه الحالة ستظل على الساحة العالمية لأمد بعيد جدا. فالمال يجر المال "كما يُقال"، وابتكارات صناعته لا تتوقف عند حد، كما أنه لا يوفر "الكفاية" -مهما بلغ حجمه- لأصحابه. بل إن السوق تنظر إلى أولئك الذين قد يظهرون مشاعر الكفاية المالية منهم، على أنهم غير منتجين، وليسوا طموحين، بل غير مبدعين. فمعايير السوق تفرض دائما حراكا ماليا متجددا ومختلفا أيضا. وفي كثير من الأحيان، يقفز الراغبون في وضع الأموال فوق الأموال حتى على المعايير الأخلاقية بهذا الشأن. والأموال تجد دائما حاضنات لها، بعضها حقيقي وبعضها الآخر وهمي. ولذلك، فإن المالي مستهدف مرة من أصحابه بصورة متواصلة، ومن جهات متعددة في الوقت نفسه. ويبقى المال، أرضا خصبة لتحقيق الأرباح، والخسائر أيضا.
الجديد في الدراسة الأخيرة التي أصدرتها شركة "ويلث إكس" بالتعاون مع مصرف "يو بي إس" السويسري، أن عدد الأثرياء حول العالم زاد في العام الجاري الذي ينتهي بعد شهرين تقريبا 6 في المائة، مقارنة بالعام الماضي. وهذه النسبة يعتبرها البعض عالية جدا لسبب واحد فقط، وهو أن الاقتصاد العالمي لا يزال يعيش حالة الاضطراب في النمو، أو بصيغة أخرى حالة النمو الهش الخاضع للمتغيرات الآنية. فغالبية هذه الزيادة جاءت أساسا من ارتفاع قيمة استثمارات أصحاب الأموال الهائلة في العقارات والأسهم، ولا سيما أولئك الذين يدخلون أسواق الأسهم بسلوكيات المضاربين لا بمعايير الاستثماريين. ومن المتوقع، أن ترتفع نسبة نمو عدد الأثرياء في المرحلة المقبلة، لتصل ثرواتهم إلى ما فوق 30 تريليون دولار. إنهم الآن يمثلون 0.004 في المائة فقط من عدد سكان العالم.
ووسط هذه الحالة، يرتفع أعداد فاحشي الثراء في القارة الآسيوية، وهم يقتربون من حيث العدد، من أقرانهم الأوروبيين الذين لا يزالون يشكلون أكثر من ربع الأثرياء تقريبا. ويفسر النمو الاقتصادي المرتفع في آسيا تقدم عدد الأثرياء الآسيويين، كما يفسر ضعف النمو الاقتصادي الأوروبي تأرجح عدد أثرياء القارة الأوروبية. ووفق هذا النمو، لا غرابة أن يمتلك أثرياء العالم ما يزيد على 13 في المائة من إجمالي الثروة العالمية كلها. وتكفي الإشارة هنا، إلى أن 211275 شخصا على مستوى العالم تتجاوز ثروة كل واحد منهم 30 مليون دولار. ومقابل هذا الارتفاع في الأموال المملوكة للأثرياء، هناك ارتفاع في عدد الأشخاص الذين يقبعون عند خط الفقر. صحيح أن أوضاع الأشد فقرا تحسنت بصورة طفيفة في الأعوام السابقة، إلا أن هؤلاء لا يزالون في دائرة الخطر للانزلاق مجددا دون خط الفقر.
واللافت في الدراسة المشار إليها، أن متوسط أعمار فاحشي الثراء في العالم تأرجح في حدود 59 سنة، وهذا يعني أن نسبة الشباب التي تنضم إلى هذه الشريحة لا تزال بسيطة، على الرغم من أن القطاعات الاقتصادية التي تشهد عوائد مالية عالية تكاد تكون حكرا على الشباب. غير أن الاستثمارات العقارية في كل مناطق العالم لا تزال تمثل "منجم ذهب" من المال. يضاف إلى ذلك بالطبع المضاربة على الأسهم، التي توفر أرباحا هائلة في فترة زمنية قصيرة، وقصيرة جدا. وفي كل الأحوال، تبقى المقولة التقليدية التاريخية التي تعرفها كل الأمم، "الأثرياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون مثلهم، ولكن فقرا وعوزا". ويبقى أهم تعويض لهؤلاء الفقراء، هو ظهور ثري هنا وآخر هناك، يقدم جزءا من المال لدعمهم. وقليل من الأثرياء يكون دعمهم هذا محوريا فاعلا، وكثير منهم يكون دعمهم رمزيا، ينتج فقاعة إعلامية تسويقية، لا تلبث أن تمضي إلى غير رجعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي