ثاني أغنى رجل في التاريخ .. هل كان أفقر منا؟

ثاني أغنى رجل في التاريخ .. هل كان أفقر منا؟

كان ناثان روتشيلد أغنى رجل في العالم حين مات في 1836. وفي قائمة من إعداد مجلة فوربس، التي تضعه في مرتبة ثاني أغنى رجل في التاريخ، جاء متفوقاً على جون روكفلر، وأغنى بكثير من كارلوس سليم، إمبراطور الاتصالات المكسيكية، وبيل جيتس، من مايكروسوفت. (أغنى رجل في التاريخ كان قائداً عسكرياً رومانيا، الذي كان القوة الداعمة لعرش يوليوس قيصر) بطبيعة الحال، الأرقام التي استخدمتها مجلة فوربس معدلة لاحتساب آثار التضخم.
ما المقصود بعبارة "معدلة لاحتساب آثار التضخم"؟ مات روتشيلد نتيجة إصابته بتسمم الدم الإنتاني (أي الناتج عن الجراثيم)، بعد أن أصيب بخراج، رغم حصوله على أفضل رعاية طبية ممكنة في أوروبا في ذلك الحين، لكنه لم يركب قط سيارة أو قطاراً أو طائرة، ولم يزر تاج محل، ولم يسمع موسيقى الأسطوانات أو الأشرطة، ولم يشاهد أي فيلم، ولم يجر أي مكالمة هاتفية، ولم يستخدم المصباح الكهربائي.
وعلى الرغم من الأساطير التي تقول إنه حقق ثروة ضخمة نتيجة حصوله على معلومات سرية، إلا أنه لم يسمع بنتيجة معركة ووترلو إلا بعد ساعات من انتصار بريطانيا في المعركة. لقد مات وهو لم يزل في سن 58 سنة نتيجة مرض يمكن الشفاء منه اليوم، بأحد المضادات الحيوية التي لا تكلف سوى بضعة قروش.
هل كان روتشيلد فعلاً ثاني أغنى رجل في التاريخ؟ هل كان في الواقع أغنى مني؟ صحيح أنه كان يستطيع استئجار أسطول من العربات التي تجرها الخيول، وكان يأكل الطعام في أطباق من ذهب، لكني سأكون مسروراً بمبادلة ذلك مقابل البقاء حيا، وأغلب ظني أن روتشيلد كان سيفعل الشيء نفسه.
الأمر الذي أثار هذا السؤال هو حادث عادي تماماً. تراجع التضخم في منطقة اليورو إلى 0.3 في المائة، حيث أثار المخاوف من أن أوروبا ربما تعاني فعلاً الانكماش في الأشهر المقبلة – وأن يوروستات، الوكالة الإحصائية الأوروبية، ستعلن قريباً أن الأسعار في أوروبا هي الآن أدنى مما كانت عليه قبل سنة.
يستند هذا القلق إلى مقدمة تقول إنه يوجد فرق كمي بين التضخم – أي ارتفاع الأسعار، حتى ولو كان بصورة بطيئة؛ وبين الانكماش – أي هبوط الأسعار، مهما كان ذلك سريعاً. كما أنه يستند أيضاً إلى افتراض مفاده أن الانكماش أمر غير مرغوب، وأن الهدف ينبغي أن يكون ارتفاع الأسعار بهدوء؛ وعلى الفكرة القائلة إننا قادرون على معرفة الحالة التي نكون فيها.
التفكير في أن المضادات الحيوية لم تكن متوافرة في 1836 يلقي بظلال من الشك على جميع هذه المقدمات. من المقبول بصورة عامة أن التكاليف الطبية ترتفع بصورة أسرع من التضخم العام – وفي الولايات المتحدة، حيث تمثل هذه التكاليف أكثر من 20 في المائة من الإنفاق الاستهلاكي، فقد ساهمت على نحو لا يستهان به في ذلك التضخم العام، لكن الطب تقدم – وتقدم على نحو أفضل بكثير من قبل، حتى وإن جاء هذا التقدم بعد فوات الأوان بالنسبة إلى روتشيلد.
يتم إعداد مؤشرات الأسعار بقياس التغيرات في تكلفة شراء مجموعة محددة من السلع، يتم اختيارها لتمثل استهلاك الأسرة العادية المتوسطة، لكن الأشياء التي تشتريها الأسرة المتوسطة تتغير مع وصول سلع جديدة؛ ومع التغيرات في الأسعار النسبية؛ إلى جانب التغيرات – الجيدة والسيئة – في النوعية. تحل المضادات الحيوية محل العلق (الذي كان يستخدم لمص الدم)، وتصبح العربات أغلى من قبل، وتصبح أجهزة الكمبيوتر أقوى من قبل، ويتراجع مستوى الخدمة من مراكز الاتصال. هذه هي الطريقة التي تتطور وتنمو بها الاقتصادات الحديثة.
مؤشرات الأسعار لا تصلح للتعامل مع هذه التغيرات. حزمة السلع التي كان يشتريها روتشيلد في أيامه ربما تصبح الآن مكلفة بصورة باهظة للغاية، حتى بالنسبة إليه – مثل العربات وأطباق الذهب – كما أنها بالتأكيد مختلفة تماماً عن حزمة السلع التي يمكن أن يود جيتس شراءها. الفرق في أنماط الاستهلاك للأسرة المتوسطة يظل عجيبا أكثر من ذلك.
هناك تقنيات لقياس وإدراج حالات التحسن في النوعية، التي تستخدم في كثير من السلع الاستهلاكية – لكن في حالة الطب، فإن الأمر الذي ازداد هو كمية الوقت المخصص للرعاية الطبية وليس أسعار الأدوية.
بصورة إجمالية، هناك عوامل تحيز إلى الأعلى أكثر مما هي إلى الأدنى، في الطريقة التي يتم بها احتساب التضخم.
بيد أنه لا يمكن أن ندعي أننا نعلم أن الأسعار ارتفعت بنسبة 0.3 في المائة في السنة الماضية، فهذا ينطوي على درجة من الدقة في تقديراتنا، وهي درجة لا نستطيع أن ندعيها لأنفسنا، أو نطمح إليها بشكل واقعي.

الأكثر قراءة