كاميرون يخاطر بالانتحار السياسي إن هو دفع فاتورة بروكسل

كاميرون يخاطر بالانتحار السياسي إن هو دفع فاتورة بروكسل

هناك طريقة لشرح منازلة ديفيد كاميرون مع المفوضية الأوروبية على نحو يضفي صورة جميلة على المفوضية. ذلك أن المفوضية عقلانية إلى درجة مبالغ فيها، وتتبع المنطق الداخلي لقوانينها حتى تصل إلى النهاية القصوى. إذا كان ذلك يعني رسماً إضافياً بقيمة 2.1 مليار يورو على بريطانيا في ميزانية الاتحاد الأوروبي، فإنها لن تسمح لأي شيء قليل مثل الحس السليم أن يعترض الطريق.
كاميرون، الأكثر إنجليزية من بين رؤساء الوزراء، يزدري هذا الطابع الحرفي من أوروبا القارية. فهو يعيش على هامش مجتمع الحل الوسط، حيث يمكن التحايل على القواعد وإخضاعها لاختبار سريع (من قبل أناس منطقيين) حول ما إذا كانت مقبولة أخلاقياً.
هذه العادات الذهنية المتناقضة تنطلق من ثقافات متميزة، لكن الطريقة التي تنتهجها المفوضية تعتبر أفضل في حفظ النظام في الاتحاد الذي يتكون من 28 دولة. الشيء المفضل في بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، أي السوق الداخلية، تتوقف على القوانين التنظيمية المنسقة من المفوضية وفتح المحميات الوطنية دون تحيز.
هذا تصوير يضفي صورة جيدة، لكنه لا يصلح. في الحقيقة يعتبر إنفاذ قواعد الاتحاد الأوروبي عملا فوضويا وجزئيا. ذلك أن نص القانون دائما يتنافس مع السياسة. فإذا أحدثت دولة عضو ضجة كبيرة، حيث تشير إلى الرأي العام الساحق في الداخل أو مصالح استراتيجية استثنائية، فإنه يمكنها أن تسير الأمور بما يتناسب مع غاياتها. هذه هي الكيفية التي تم بها تجاهل ميثاق الاستقرار والنمو من قبل العديد من الدول الأعضاء في العقد الماضي. وهذا ما يفسر أيضا لماذا يبقى أداء السوق الداخلية متفاوتا.
عندما دعا فرانسوا هولاند، رئيس فرنسا، كاميرون إلى "التمسك بالقواعد" في الأسبوع الماضي، كاد فريق رئيس الوزراء أن يموت من الضحك. فقد شهدوا الحكومات الفرنسية وهي تبدي إخلاصاً بعيداً عن الكمال لقواعد الاتحاد الأوروبي. حتى في الوقت الحالي، تقوم المفوضية بإعلام فرنسا وإيطاليا بشكل خاص بأنها مستعدة لتقديم تنازلات في إنفاذ القيود المفروضة على الميزانية الوطنية.
لذا، بروكسل ليست حصنا من المنطق الخالص. لقد أدركت الحقائق السياسية في الدول الأعضاء. الواقع السياسي في بريطانيا هو أن كاميرون لا يستطيع دفع هذا الرسم الإضافي، وبالتأكيد ليس في الموعد المحدد من كانون الأول (ديسمبر) وربما ليس بحلول الانتخابات العامة المقررة في أيار (مايو)، إذا كان سيدفعه أصلا. لأن من شأن ذلك المخاطرة بالانتحار السياسي. سيأتي تيار من الغضب من حزب استقلال المملكة المتحدة المناهض للاتحاد الأوروبي، وحزب المحافظين التابع له، وكثير من الناخبين، وهو تيار لا قِبل لكاميرون به.
هناك منذ الآن فرصة لتحرك ضد كاميرون من جانب أعضاء البرلمان في الصفوف الخلفية في حال تمت خسارة انتخابات تكميلية الشهر المقبل في روتشستر، جنوبي إنجلترا، لمصلحة حزب الاستقلال. زعزعة زعيم التيار العام الوحيد الذي لا يشكل عبئا على شعبية حزبه قبل ستة أشهر من الانتخابات قد يبدو مثل الهوس بتشويه الذات، لكن هذا ما هو عليه حزب المحافظين. ويقول أحد المطلعين: "الناس العصبيون يفعلون أشياء سخيفة". والناس الغاضبون يفعلون أشياء حتى أشد سخافة. إن الدفع الفوري لفاتورة الاتحاد الأوروبي قد يؤجج أعداء كاميرون.
كما يمكن أن يقدم ذلك تحفيزا لمرة واحدة في جيل لمناهضة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، على نحو يعمل على إحداث تصلب في موقف أعداء الاتحاد الأوروبي الملتزمين، وسحب الناخبين المترددين إلى صفهم. السبب في فرض الرسوم الإضافية يكمن في الجو الفاسد لمنهجية الاقتصاد القياسي. لكن الأمر لن يستغرق أي جهد على الإطلاق لحزب الاستقلال كي يصوره على أنه ضريبة على الازدهار - وعقابا للبقاء خارج عملة واحدة مدمرة حلم بها المتعصبون. البريطانيون لا يرون معاملة غير متحيزة، بل سيرون الأصبع الوسطى التي تسخر منهم.
نادرا ما بدا كاميرون مسيطرا على سياسته الخاصة بأوروبا. حكومته لديها على قدر حاجتها للعيش فقط، وتبحث بشكل دوري عن الطعام لاسترضاء نواب المقاعد الخلفية لإبقائهم على مسافة آمنة. لكنه غاضب بصدق من هذه الضريبة الإضافية، ولديه سبب قوي لذلك.
من السهل أن نميز بين أيديولوجية الكراهية للاتحاد الأوروبي والتظلم المشروع. فقط قم بهذه التجربة الفكرية: تخيل أن رئيس الوزراء كان من حزب العمال المؤيد لأوروبا، مثل زعيم المعارضة إد ميليباند. تحت رئاسة ميليباند، فإن الجدل حول ما إذا كانت بريطانيا يجب أن تشترك في الأمن الأوروبي باعتقال بريطانيا لن تكون شيئاً من هذا القبيل. إنه قد يمضي قدما بسهولة بما فيه الكفاية، لأن المقاومة ستأتي من اليمين ولن تحقق أبدا الكتلة الحرجة.
لكن الرسوم الإضافية مسألة أخرى. إذا تم إرسال فاتورة بقيمة 2.1 مليار يورو لرئيس وزراء من حزب العمال، تصبح مستحقة على الفور تقريبا وفي وقت العوز المالي لبلاده، لا يمكنه أن يدفعها فقط بشكل مطيع. وإنما قد يكسب الوقت ويسعى للحصول على حسم. إن الناخبين وعدد جيد من أعضاء برلمانه سيصرون على هذا كثيرا، مهما كانت وجهة نظره الخاصة. لذلك هذا ليس نزاعا قام كاميرون بتلفيقه من لا شيء. ذلك قد يسبب المتاعب لأي شخص يؤدي وظيفته.
قال إيمانويل كانط، فيلسوف عصر التنوير الذي يفترض أن مفاهيمه حول السلام الدائم اطلع عليها الاتحاد الأوروبي: "من بين الأضلاع الملتوية للبشرية، لم يتم صناعة أي شيء مستقيم إطلاقا". حتى هذا الرجل العظيم من عصر التنوير أدرك الحاجة إلى حلول دنيوية وسط. يتعين على الاتحاد الأوروبي إبرام أحدها مع كاميرون.

الأكثر قراءة