الإصابة والإبداع

شاهد الكثيرون مقطع اليوتيوب لسياسي تركي يدعى "طه كنج"، يبحث عن شخص سعودي ضربه على رأسه عندما كان يعيش في المدينة المنورة، ليشكره، لأن ضربه له تسبب في زيادة قدرته على الحفظ والاستيعاب، فحفظ القرآن الكريم وتفوق في دراسته، مما أهله ليكون رجلا مهما في بلده!
فهل ما ادعاه هذا الرجل صحيح، وهل له أساس علمي؟
كثير من الحالات والشواهد يدل على إمكانية حدوث مثل هذا الأمر، ففي عام 1979 حولت إصابة في الرأس أثناء لعب كرة السلة الطفل أولاند سيريل إلى موسوعة رقمية، ولشدة ولعه باللعب أكمل مباراته ولم يخبر أحدا بإصابته، فعانى صداعا مستمرا، بعده بدأ يحل بصورة سريعة أصعب العمليات الحسابية، كما اكتسب القدرة على تذكر تفاصيل وأحداث أي يوم يمر به، حتى أحوال الطقس في ذلك اليوم!
أما "أماتو" الذي أصبح عازف بيانو محترفا، بعد أن بلغ الأربعين من عمره، من جراء ارتطام رأسه بقاع المسبح وهو يمارس الغوص، فخرج منه شخصا آخر، بإمكانه عزف أي مقطوعة حال رؤيته أزرار البيانو، وعلى الرغم من الخلل الذي أصابه ونوبات فقدان الذاكرة، إلا أنه أتقن العديد من اللغات، بسهولة متناهية!
ومثله "دانييل داميت" الذي أكسبته نوبات الصرع المتكررة القدرة على تعلم العديد من اللغات في فترات قياسية لا تتجاوز الأيام، كما منحته القدرة على إجراء عمليات حسابية تتكون من أرقام بلغت 22514 رقما خلال خمس ساعات فقط!
أما الرسامة "أليسون سيلينا" فقد رفضت تلقي العلاج بعد أن اكتشفت إصابتها بخلل في الدماغ، تسبب لها في أزمات نفسية ورؤية غير واضحة وتخيلات، استغلتها في إثراء فنها وزيادة إنتاجها الفني، وأصبحت لها بصمة مميزة اشتهرت بها!
وأصبح "ألونزو كليمونز" الذي تعرض لإصابة في دماغه في طفولته أفقدته القدرة على تحريك يديه أو حتى ارتداء ملابسه، نحاتا للحيوانات لا يشق له غبار، تباع منحوتاته بآلاف الدولارات، معتمدا على ذاكرته فقط في إبداع تفاصيل دقيقة لمنحوتاته!
ومن جانب آخر لا تؤدي الإصابات الدماغية إلى العبقرية والإبداع فقط، بل منحت أصحابها حياة جديدة، ومهنا بعيدة تماما عن مجال دراساتهم، مثلما حدث للعالمة الطبيبة "آن آدمز" التي تحولت من الطب إلى الفن التشكيلي، وأبدعت لوحات تجسد أحاسيسها، دمجت فيها بين العلم والموسيقى والرسم، بعد أن أصيبت بمرض في دماغها، أتلف جزءا منه!
ويعتقد العلماء أن سبب هذه التحولات أن الخلل الذي يتلف أجزاء من الدماغ يسهم في تنشيط أخرى .. فسبحان الله الذي يغير ولا يتغير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي